وعينه هذا الامبرطور سكرتيرا خاصا له؛ لأن علمه فاق كل اليونانيين.
وكان اليونانيون أنفسهم أقروا بأن قدموس الفينيقي هو من علمهم الكلام.
وروى صاحب كتاب "قصة الحضارة" أن الفيلسوف اليوناني افلاطون سافر من قورينا الى مصر "حيث درس على الكهنة العلوم الرياضية والمعارف التاريخية والشعبية" ثم عاد الى اثينا، وابتاع له اصدقاؤه ايكة للتنزه في ضواحي المدينة اطلقوا عليها اسما مشتقا من إلهها المحلي -حسب اعتقادهم- اكاديموس (واصلها اكادي ، بالجمع اكاديم)، وفيها أنشأ افلاطون الجامعة التي قدر لها ان تكون فيما بعد مركز اليونان العقلي لتسعمائة عام كاملة.
ومن اللفظة، سواء اشتقت من قدموس أو أكاد، وكلاهما أصلهما عربي، اشتق اليونانيون اسم التعليم "أكاديمي"، المتداول على مستوى دولي الآن، وفق محمد رشيد ناصر في مقالته المعنونة "الاساطير واللغة العربية".
ولم يستبعد الكاتب أن اسم افلاطون نفسه من أصول عربية، من أفلط ، وهو اسم يدل على شكل وجهه المسطح المبلط الأفلط .
بل إن أبو التاريخ هيرودت زار مصر، وقد أتاها فاراً من مطاردة الشرطة لجريمة ارتكبها ولم يسمها، وحفل كتابه بذكر تفاصيل كثيرة عن مصر وأهراماتها ونيلها وكهنتها ومعابدها وتاريخها، كما تطرق الى ذكر الليبيين والأحباش والفرس، وقد تعلم من المصريين الكثير باعترافه.
ويؤكد الدكتور زكي مبارك أن "الذي روته كتب التاريخ وابحاث العلماء المنصفين فيه اجماع على أن المعارف اليونانية منقولة من المعارف المصرية، وأن فلاسفة اليونان تلامذة فلاسفة مصر القدماء. واليونانيون يعترفون بأنهم تلاميذ المصريين، وكانت زيارة مصر واجبة على كل يوناني يريد التفقه في أسرار الوجود".
ويرى صاحب كتاب "النظرية اليونانية وإنكار فضل العرب على حضارة الغرب" أن من أهم الدعوات التي أثارها الغرب في سبيل الغزو الثقافي والتغريب: النظرية اليونانية، مستهدفا تحطيم مكانة الثقافة العربية.
وغاية النظرية: إنكار أثر العرب على الفلسفة اليونانية، وتجاهل فضل مصر والشرق على حضارة اليونان، ثم يحاولون فرض فضل للثقافة اليونانية على الثقافة العربية، فقد أنكروا أن أعلام اليونان سافروا إلى الشرق لارتشاف علومه، وقالوا بأن الفلسفة العربية ليست شيئا آخر إلا أن الفلسفة العربية دونت بحروف عربية.
وللأسف فقد تبنى بعض العرب هذا الرأي، ومنهم طه حسين في بحثه الذي صدر به كتاب "نقد الشعر" حين قال بأن قواعد البلاغة العربية إنما أسست على وضع أرسطو، ونَقَلَه العرب عن اليونانية.
وقال بأن عقلية مصر عقلية يونانية، وأنه لم يكن للشرق في تكوين الفلسفة اليونانية والعقل اليونانى والسياسة اليونانية تأثيرا يذكر وانما كان تأثير الشرق في اليونان تأثيرا عمليا ماديا ليس غير.
وركب الشاعر اللبناني سعيد عقل الموجة موجهًا سهامه إلى اللغة العربية نفسها التي أبدع بها، عندما تبنى نظريته الداعية إلى استبدال اللهجة اللبنانية باللغة الفصحى التي أصرّ على تسميتها بـ"اللغة اللبنانية"! والحرف العربى بالحرف اللاتيني على خطى اللغة التركية، تنصلاً من كامل إرثه العربي!
والحق ان اليونانيين لم ينقلوا الآداب والفلسفة عن العرب وحضارات الشرق الأوسط الكبرى كالبابلية والأشورية والفرعونية فحسب، بل نقلوا حتى اساطيرهم وعبادتهم بتسميات جديدة "كما فعل العبرانيون من قبل"، وقد عرف الغرب فلسفة اليونان عن طريق الفلاسفة العرب المسلمين فيما بعد، ولكن المشروع الاستعماري الغربي الذي يقصي الآخر، ويصمه بالدونية لتسهل السيطرة عليه ما زال يحوك الأكاذيب، ومن العرب من لا يصدقها فحسب، بل يتبناها ويدافع عنها للأسف!!