وصف مدير المخابرات الأميركية وليم بيرنز الحالة الفلسطينية أنها تشبه الانتفاضة الثانية التي انفجرت عام 2000، بعد فشل مفاوضات منتجع كامب ديفيد بين الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات ورئيس حكومة المستعمرة يهود براك في شهر تموز برعاية الرئيس الأميركي كلينتون.
الإدارة الأميركية قلقة على الوضع الإسرائيلي، فهبت قياداتها من مدير المخابرات، وجيك سلفان مستشار الأمن القومي، ووزير الخارجية طوني بلينكن، ووفدوا فرادى ومجتمعين لمعالجة تفاقم الوضع السياسي والأمني بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لم يُقتل من الفلسطينيين في يوم واحد كما حصل في مجزرة مخيم جنين منذ سنوات طويلة، ولم يُقتل من الإسرائيليين هذا العدد على يد شاب شجاع متمكن كما فعلها خيري علقم قبل استشهادة يوم السبت 28/1/2023 من مخيم شعفاط.
الإدارة الأميركية قلقة، بسبب التطرف الإسرائيلي الذي يزيد من فعالية الكفاح الفلسطيني رداً على الاضطهاد والاحتلال والاستيطان والقتل والاستيلاء وهدم البيوت وتغيير المعالم العربية والإسلامية والمسيحية للقدس، والتطاول عليها والمس بحرمتها وقدسيتها.
ما حققه الشعب الفلسطيني من إنجازات عملية على الأرض وفي الميدان داخل فلسطين، كان نتيجة الانتفاضتين الأولى عام 1987، والثانية عام 2000، في الانتفاضة الأولى المدنية غير المسلحة أُرغم اسحق رابين على الاعتراف بالعناوين الثلاثة: 1- بالشعب الفلسطيني، 2- بمنظمة التحرير كممثل شرعي، 3- بالحقوق السياسية المشروعة للفلسطينيين، وعلى أرضية هذا الاعتراف جرى: 1- الإنسحاب الإسرائيلي التدريجي من المدن الفلسطينية بدءاً من غزة وأريحا أولاً، 2- عودة الرئيس الراحل ياسر عرفات ومعه أكثر من 350 ألف فلسطيني إلى بلدهم ووطنهم، 3- ولادة السلطة الفلسطينية كمقدمة لقيام الدولة الفلسطينية على أرض وطنها في فلسطين، وقد دفع رابين الثمن باغتياله من قبل أحد العناصر الإسرائيلية المتطرفة.
في الانتفاضة الثانية شبه المسلحة عام 2000، ونتائجها وتداعياتها، أُجبر شارون على الرحيل من كامل قطاع غزة بعد فكفكة المستوطنات وإزالة قواعد جيش الاحتلال عن غزة.
لهذا عبر بيرنز عن قلقه إزاء المستعمرة، فهو يرى معسكر اليمين مفسخ بين الأحزاب الأربعة المؤتلفة في إطار التحالف الحكومي، وبين الأحزاب الثلاثة اليمينية المعارضة بقيادة يائير لبيد رئيس الحكومة السابق، وبيني غانتس وزير الجيش السابق، وليبرمان وزير المالية السابق، وغياب كلي لمعسكر وسطي معتدل باستثناء حزب العمل الذي حقق لنفسه أربعة مقاعد فقط في البرلمان، وهزيمة حركة ميرتس التي لم تحصل على أصوات الحد الأدنى لدخول البرلمان.
الإدارة الأميركية التي تخلت عن الاهتمام بالعالم العربي وفق برنامج الرئيس جو بايدن، بعد دمار سوريا والعراق وليبيا واليمن، ونجاح ضغوطها في فرض التطبيع مع المستعمرة على عدد من بلدان العالم العربي، وضعف البواقي سياسياً، ولكن الاجتياح الروسي إلى أوكرانيا، وبروز أهمية الغاز والبترول في السوق العالمي، ونجاح اليمين المتطرف لدى المستعمرة، وتمادي إيران وتركيا وأثيوبيا في قلب العالم العربي، دفع إدارة بايدن لإعادة النظر بسياسة تخليها عن الاهتمام بالعالم العربي، بعد أن نجحت في تقسيمه وشرذمته وإضعافه.
الفريق الأميركي الثلاثي رفيع المستوى بلينكن وبيرنز وسيلفان، قدموا دعماً مالياً للسلطة الفلسطينية، سواء للأونروا أو للمؤسسات الأمنية، وللمجتمع المدني لتقوية السلطة في مواجهة المبادرات الكفاحية الفردية من قبل شباب وصبايا فلسطين على قاعدة فرض التهدئة، وفي ثني الرئيس الفلسطيني عن مواصلة خطواته الإجرائية، التي بدأت بقرار من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ونقل الموضوع الفلسطيني وآثار الاحتلال المدمرة على الشعب الفلسطيني، نحو محكمة العدل الدولية.
لم يأت الفريق الأميركي بأي جديد سياسي يخدم مصالح الشعب الفلسطيني، فالقلق الأميركي نحو أمن المستعمرة، ونحو فرض التهدئة، وتقليص تطلعات الشعب الفلسطيني نحو زوال الاحتلال ونيل الحرية والاستقلال، ولا أمل يُرتجى من الإدارة الأميركية في ظل المعطيات القائمة.