دخلت الأزمة الأوكرانية منعطفاً أكثر خطورة خاصّة بعد الخطاب «الحاسم/الناري» وغير المسبوق خصوصاً في ما انطوى عليه, فضلاً عمّا أعلنه بوضوح الرئيس الروسي بوتين أول امس/الجمعة, بعد توقيعه على انضمام أربع مقاطعات أوكرانية الى قوام الاتحاد الروسي (جمهوريتا دونباس إضافة الى خيرسون وزابوروجيا), والتي ستصل ذروتها «الدستورية» بعد غد/الثلاثاء, حال توقيع بوتين على الوثائق «النهائية» التي ستُصادق عليها المحكمة الدستورية ثم مجلس الدوما/النواب ومجلس الاتحاد/الشيوخ. ما يعني من جملة أمور أخرى ان مواطني المناطق الأربع باتوا «روساً», إضافة الى ما يعنيه ذلك ايضاً من ان حدود روسيا مع أوكرانيا باتت خطوط تماس مباشرة.
وإذ يصعب صرف النظر عن مآلات مطالِب وشروط الرئيس الأوكراني زيلينسكي, سواء في ما خص رفض الولايات المتحدة كما حلف الناتو طلبَه «العاجل» بالانضمام الى حلف شمال الأطلسي وإعلان واشنطن ان الوقت «غير ملائم», ناهيك عن إعلان أمين عام الناتو/ستولتنبرغ أن الحلف «ليس طرفاً» في الأزمة الأوكرانية، أم خصوصاً لجهة «رفضْ» زيلينسكي التفاوض مع روسيا ما دام بوتين في الحكم. فإن خطاب بوتين غير المسبوق في حِدّته, جِدّيته ووضوحه, ودائماً في تحدّيه للمعسكر الغربي وتحديداً زعيمته/الولايات المتحدة, وقوله: «إن روسيا بلد عظيم، ولن نقبل بأن نعيش على أساس قواعد دولية مُزوّرة", مُستطرداً في تأكيد على أن قواعد اللعبة الدولية التي تديرها واشنطن يجب أن تتغير بالقول: «روسيا تُدرك مسؤولياتها أمام المجتمع الدولي, وستقوم بكل ما يلزم لتعيد الغرب إلى رشده». مُبشراً بأن «العالم يدخل حقبة جديدة مُتعددة القطبية - تدافع فيها الدول عن استقلالها وإرادتها ورغبتها في التنمية».
مفردات ومصطلحات بل خريطة طريق روسيّة كهذه، لم ولن تُستقبل بالترحاب في الغرب, الذي بات يدرك ان بوتين ليس في وارد التراجُع عن الأهداف التي وضعها, خاصّة بعد ان أغلقت واشنطن وحلف الناتو مبكّراً الباب في وجه «الضمانات» الأمنية, التي طالبتْ بها موسكو, بل وقبلها عندما «تنكّرت» ألمانيا وفرنسا لالتزاماتهما في اتفاقيتي مينسك الأولى والثانية بضغط مكثّف من الولايات المتحدة. ما أدّى إلى بدء العملية العسكرية الروسية الخاصّة في 24 شباط الماضي.
ردود الفعل الغربية وبخاصّة الأميركية/البريطانية رغم الرفض والتشدّد والاستعداد للمواجهة, التي ميّزت تصريحات المسؤولين في واشنطن ولندن إلاّ أنها بدت مُرتبكة, إن لجهة اللجوء إلى فبركة أنباء ونسج قصص وحكايات مُختلقة تتحدّث عن «رفض» داخل الدائرة الضيِّقة المحيطة بـ«بوتين» في الكرملين لما يروم الرئيس الروسي اللجوء إليه, ناهيك عن «توقعات» غربية, تتحدث عن احتمال حدوث «تمرّد» في الجيش الروسي وهروب المزيد من جنوده.
لم «يَدعُ» زعيم أوروبي إلى البحث عن مسار سياسي/دبلوماسي للأزمة, ولم تبادر واشنطن إلى الطلب من الرئيس الأوكراني العودة الى طاولة المفاوضات, في ظلّ «نشوة» أوكرانية مُفتعلة, بعد هجوم الجيش الأوكراني المضاد في مقاطعة خاركيف. وهو هجوم ما لبث (بعد ان حقق اختراقاً ملموساً في تلك الجبهة) بدأ بالانحسار, وبات الآن يواجه أوضاعاً أكثر صعوبة ليس في خاركيف وحدها بل في جبهات أخرى مثل كراما تورسك ونيكولاييف وخاركيف نفسها.
كان لافتاً أيضاً الإشارات الطويلة التي أطلقها بوتين إزاء المصير الذي آل إليه الاتحاد السوفياتي, وقرار فرط عقده على يد «الشيوعيين», مكرّراً عبارته التاريخية التي أطلقها في مؤتمر ميونيخ للأمن عام/2007, عندما قال: «إن انهيار الاتحاد السوفياتي هو أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين», وهي مقولة اشعلت الأضواء الحمراء في العواصم الغربية وخصوصاً واشنطن وحلف الناتو. إذ منذ ذلك الحين بدأت فيه آلة الإعلام والدعاية الغربية حملة أكاذيب وتضليل, تزعم ان بوتين يسعى الى إحياء الاتحاد السوفياتي. حملة وصلت ذروتها في عام 2014 بعد عودة شبه جزيرة القرم الى قوام الاتحاد الروسي, وقبلها في أبخازيا وأُوستيا الجنوبية/2008، رغم ان بوتين قال في خطابه الأخير/اول امس: انه لا يريد إحياء الاتحاد السوفياتي ولا يسعى الى ذلك. وإن كان أبدى حِرصاً على شرح الملابسات التي رافقت تفكّكه وكيف حاول الغرب عام/1991 «تفتيت روسيا وتحويلها الى شعوب مُتحاربة», حاسماً الصراع الدائر الآن في عبارة مكثفة مثقلة بالدلالات (والتحدّي) عندما قال: إن «القوة هي التي ستُحدّد المستقبل السياسي للعالم», مُتهماً الغرب بأنه «يقول انه يحمي ويُدافع عن النظام والقواعد», مُتسائلاً: مِن أين جاءت هذه القواعد؟. مجيباً/بوتين: «معايير مُزدوجة مُصممة للحمقى».
ماذا عن موقف إسرائيل والصين؟