أخبار البلد - أثارت الجولة التي قام بها مؤخرا وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في أفريقيا، والتي جاءت في إطار جهود موسكو لحشد التأييد في وجه العزلة الدولية المتنامية ضدها، مجددا حالة من القلق الواسع في الغرب.
وترى الكاتبة الأميركية كلارا ماركيز أن جولة لافروف أثارت تساؤلات في الغرب، مثل: هل تحقق موسكو مكاسب في العالم النامي؟ لماذا لا ترى الدول الأفريقية في الحرب التي تشنها روسيا على جارتها غزوا لأوكرانيا؟
وعلى الجانب الآخر أدت الزيارة إلى تأجيج دعاية فضفاضة، وهو أمر كان متوقعا. ونقلت الكاتبة عن مقدم برامج تلفزيونية قوله "روسيا تفوز بالمعركة للفوز بأفريقيا… تحولت الجولة إلى مسيرة انتصار”.
وتقول ماركيز في تحليل نشرته وكالة بلومبرغ للأنباء "منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي لم يكن هناك شك في أن روسيا قد عثرت في الجنوب على شركاء أكثر ودا، أو هم يظهرون وكأنهم أكثر حيادا، بأكثر مما يريد الغرب”.
كارلا ماركيز: روسيا عثرت على شركاء أكثر حيادا مما يريد الغرب
وكانت كينيا تحدثت بحماس شديد في مجلس الأمن الدولي عن النزعة الوحدوية لروسيا، أي السعي لضم الأراضي التي كانت في الماضي جزءا من الاتحاد السوفييتي السابق، ولكن لدى تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة (193 دولة) على قرار يدين غزو روسيا لأوكرانيا امتنعت 35 دولة عن التصويت، نصفها تقريبا من أفريقيا، ومن بينها جنوب أفريقيا والسنغال. ولم تشارك دول أخرى، مثل المغرب وإثيوبيا، في التصويت.
وترى ماركيز أن العلاقات المناوئة للاستعمار، والتي تعود إلى حقبة الاتحاد السوفييتي، تصب في صالح روسيا، بالإضافة إلى حالة متفشية على نطاق واسع من عدم الثقة في الغرب، تغذيها حملات التضليل الواسعة التي تنفذها روسيا والتي تضع الحرب في إطار "العالم الغني ضد الباقين”.
وهناك أمر آخر لا يقل أهمية، ويتمثل في العلاقات الدفاعية والأمنية؛ حيث تقوم روسيا بتعويض ما تفتقر إليه من قدرات استثمارية، من خلال مبيعات الأسلحة والمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص. كما أن روسيا مصدر رئيسي للحبوب والأسمدة بالنسبة إلى دول معرضة للخطر وفي حاجة ماسة إلى هذه المواد.
وتضيف ماركيز أن الدول التي زارها لافروف خلال جولته -مصر وأوغندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا- تكشف الكثير عن الحدود القصوى لمساعي الكرملين؛ فالوسائل المقيدة التي تملكها روسيا ومزيج الأنظمة السياسية في أفريقيا تجبر موسكو على تبني نهج انتقائي. ولا توجد وعود براقة بتقديم دعم مادي، من دولة هي نفسها تكافح من أجل توسيع اقتصادها الذي يواجه عقوبات.
وقد أدرك عدد قليل للغاية من الدول الأفريقية فائدة التخلي عن الحياد، ويتعلق هذا بتقاليد عدم الانحياز وقوة روسيا التاريخية، بقدر ما يتعلق بفك الارتباط مع الغرب.
روسيا تعوّض ما تفتقر إليه من قدرات استثمارية، من خلال مبيعات الأسلحة والمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص
روسيا تعوّض ما تفتقر إليه من قدرات استثمارية، من خلال مبيعات الأسلحة والمتعاقدين العسكريين من القطاع الخاص
ولا يتعلق الأمر بغياب أوروبا والولايات المتحدة؛ فقد أكمل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لتوه جولة شملت الكاميرون وبنين وغينيا بيساو، ولكن ثبتت سهولة تشتيت انتباههما عبر مطالب أخرى.
ويميل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى تصوير أفريقيا على أنها ساحة لمعركة جيوسياسية، ولا تتوافق أولوياتهما في مجال الاستثمار دائما مع تلك الخاصة بدول القارة. وبعد تقهقر دبلوماسي خلال فترة حكم الرئيس السابق دونالد ترامب، لا تزال السفارات الأميركية تعاني من نقص الموظفين، بالإضافة إلى تحديد نهاية العام الحالي موعدا لعقد قمة أميركية – أفريقية ثانية، بعد انعقاد الأولى في عام 2014، ناهيك عن الخطأ الفادح المتمثل في محاولة تصوير أزمة أوكرانيا على أنها تتعلق بالقيم، لقارة تمتلك براهين كثيرة على ما يتسم به الغرب من نفاق.
ومن أجل دعم أفريقيا والتضييق على روسيا يجب أن يتغير ذلك. ومن الواضح أن روسيا بحاجة إلى أصدقاء وشركاء تجاريين، وأفريقيا منطقة ثرية بالموارد تراها أوروبا حديقة خلفية لها، وغالبا ما يكون ذلك متزامنا مع وجود حكومات ضعيفة تجعل تعزيز مصالح موسكو أمرا غير باهظ التكلفة.
اقرأ أيضا: الولايات المتحدة تجد صعوبات في عزل روسيا
وتستدرك الكاتبة الأميركية متسائلة "ولكن ما الفائدة من ذلك بالنسبة إلى معظم الأفارقة؟”، وتقول "إن نصيب روسيا من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في أفريقيا ضئيل للغاية، وسجل أقل من 1 في المئة عام 2020، كما أن الاقتصاد الروسي الراكد لن يتحسن في المستقبل القريب؛ حيث أن الكرملين يعطي أولوية لأوهام الرئيس فلاديمير بوتين الإمبراطورية على حساب تحقيق النمو”.
وتجعل القيود على الاستيراد، واستبعاد موسكو من أنظمة الدفع العالمية، وتراجع البحث والابتكار، من روسيا شريكا غير محتمل في أي أمر آخر غير الموارد، والتي شكلت الجزء الأكبر من الاستثمار التأسيسي في القارة، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه أفريقيا إلى التكنولوجيا. وخلال الفترة من عام 2017 حتى عام 2021 شكلت الأسلحة الروسية 44 في المئة من مشتريات أفريقيا من السلاح. ولكن حتى هذا سيتراجع بسبب القيود المفروضة على الواردات، كما ستسعى روسيا إلى توفير احتياجات قواتها المسلحة.
وتنصح ماركيز الحكومات الحليفة لكييف، والتي تتوق إلى مواصلة تأييد أوكرانيا فيما يطول أمد الحرب، باستغلال الفرصة؛ أولا: بأن يقروا بالمخاوف المتعلقة بالأمن الغذائي، خاصة في ظل دعم الدول التي تعتمد على واردات الغذاء والأسمدة دعما سخيا، وثانيا: بأن تدعم بسخاء أيضا "مرفق تمويل استيراد الأغذية التابع لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو)” والآليات الأخرى ذات الصلة.
ويتعين على أوروبا والولايات المتحدة الاعتراف بأن الأزمات المعقدة، مثل المناخ والوقود والأمن والزراعة، تتطلب حلولا طويلة المدى، تتضمن زيادة هائلة في توليد الطاقة المتجددة، وزيادة إنتاج الأسمدة والاستخدام المستدام لها، ومحاصيل أكثر قدرة على التكيف، بالإضافة إلى تحسين البنية التحتية للحد من معدلات إهدار الغذاء، ويتعين إشراك الشركات الخاصة، وهي قادرة على ذلك.
وتقر الكاتبة الأميركية بالحاجة إلى المشاركة الدبلوماسية والاتصالات طويلة المدى، من خلال موظفي السفارات والاستثمار في نوعية الشراكات الإعلامية والتعليمية التي مكنت الصين من تحقيق نتائج طيبة. ولا يكفي الشعور بالقلق الشديد في بروكسل وواشنطن، في وقت يطلق فيه رئيس الاتحاد الأفريقي تعليقات مضللة بشأن العقوبات الغربية، ويؤيد ما يتردد من أن أزمة الغذاء الناجمة عن الحرب مفتعلة. وإلى حين حدوث ذلك، ربما يكون الأوان قد فات.