تشهدُ منطقةُ الشرقِ الأوسط تحركات مُكثفة في سياقِ الاستعداد للزيارة المُرتقبة للرئيسِ الأمريكي جو بايدن منتصف الشهر القادم، هذه الزيارةُ ستكون الأولى منذُ رحيل الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب، ومغادرتهُ البيتَ الأبيض، وقد اعتقد العديدُ مِن الساسة الفلسطينيين عندَ رحيلهِ أنَّ صخرةً صماءَ قد انزاحت من على صدرِ الشعبِ الفلسطيني، خاصةً وأن محاولةَ ترامب لِتصفيةِ القضيةِ الفلسطينية من خلال ما سُمِيَّ صفقةُ القرن قد باءت بالفشل وسقطت أمامَ صمودِ الشعبِ الفلسطيني، والموقف الحازم للقيادة الفلسطينية والرئيس ابو مازن على وجهِ الخصوص.
في ذلك الحين راهنَ البعضُ، وبالغَ في رهانهِ على ما يُمكن أن تحمله مرحلة الرئيس بايدن من جديدٍ مُختلف عَمَّا سادَ في العهدِ السابق من سلوكٍ وممارسات عدائية تُجاهَ شعبِنا وقضيتِه الوطنية ومجمل عملية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وسُبل حله علاوةً على ما تمكن من تحقيقه من إحداث شرخٍ عميق في جدار التضامن العربي مع القضية الفلسطينية خاصة في إطلاق قطار التطبيع.
إن مبعث هذا الرهان استند الى ما نثرته إدارةُ بايدن من وعود ثبتَ اليومَ وبعد مُضي عامين على توليه لمقاليد الأمور أنها كانت مُجرد ذر رماد في العيون بحيث يتضح لكلِ مُراقب دون عناء أنَّ الافراطَ في التفاؤل والرهان على إدارة بايدن لم يكن في محله، بل كان مجرد وهم سبق وأن اعتبرتُهُ في مقالٍ سابق رهان كمن يستجير من الرمضاء بالنار، اليوم ما زالت الادارة الحالية تسير على خطى سابقاتها بتمتين العلاقة الاستراتيجية مع دولة الاحتلال وترعى التنفيذ الناعم لصفقة ترامب بعيداً عن الصخب والضجيج ومكتب م -ت - ف في واشنطن ما زال مغلقاً، ومنظمة التحرير الفلسطينية تتصدر قائمة الارهاب في الكونغرس و إدارة بايدن ترفض فتح القنصلية في القدس امعاناً منها في السير على خطى ترامب، كما وانها تواصل ممارسة الضغوط عبر وكلائهما لتصفية قضية اللاجئين من خلال الالتفاف على تفويض وكالة الأونروا، علاوة على الدعم المعلن الذي تقدمه بثبات وسخاء لحكومة المستوطنين التي تواصل العدوان والاستيطان والقتل بدم بارد والاعتقال لأبناء شعبنا الفلسطيني، اضافة الى شق الطريق واسعاً أمام قطار التطبيع بموجب اتفاق ابراهام المشئوم ، إنّ المُتتبع لمقدمات الزيارة المرتقبة لبايدن يُدركُ دونَ عناء بأن الملف الرئيسي الذي يحظى باهتمام بايدن وإدارته لن يكون ملف القضية الفلسطينية والحث عن حل عادل يستند لتنفيذ قرارات الشرعية الدولية بل سيكون على حساب القضية وعدالتها من خلال السعي لتشكيل حلف اما يسمى "ناتو شرق اوسطي" جديد يتم في إطاره دمج إسرائيل بالمنطقة من بابها الأوسع، وإمعاناً بالخديعة ربما يذهب بايدن خلال جولته بإعطاء بعض الايحاءات نحو إهتمام مزيف بملف القضية الفلسطيني من باب إدارة الأزمة وليس حلها وفي مقابل هذه الايحاءات والاشارات السامة يسعى لوضع مزيد من الاقفال للحؤول دونَ تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني التي طالما لوحت بها القيادة الفلسطينية على مدار الشهور الماضية ،خاصة فيما يتعلق بسحب الاعتراف ووقف العمل بالاتفاقات مع دولة الاحتلال. ولذلك وامام كل ما تحمله هذه الزيارة من مخاطر واضحة للعيان لا بد من التحذير بكل صراحة ووضوح من مغبة الوقوع في فخ المراهنة على جو بايدن وادارته عبر اي سلوك سياسي مرتبك لا يستند لرؤية استراتيجية عميقة لكيفية التعامل مع هذه المستجدات خاصةً وأنَّ ما حمله بيان اللجنة التنفيذية الاخير يكشف دون عناء أن مثل هذا الرهان ما زال قائماً رغم ادراك الجميع بعدم جدواه.
وفي ضوء ذلك ومع ما تشهده المنطقة من تحركات وانشغالات لكل زعماء المنطقة كل بأولوياته وقضاياه، أصبحَ من الواجب والضروري التعامل مع هذه الزيارة المشبوهة بأهدافها برفض شعبي فلسطيني حازم برسالة واضحة تؤكد أن شعبنا الفلسطيني لا يقبل أن يستمر ضحية لهذا الخداع الامريكي المتواصل ، وعلى الصعيد الرسمي رغم أن مثل هذه اللقاءات تكون مفهومة على الصعيد الدبلوماسي الا انها في حالتنا الفلسطينية من المفترض أن تكون مقبولة على مضض فقط تحت عنوان أن الكيل قد طفح ولم يعد هناك أيِ مُتسع للصبر، وأن يسبق ويترافق مع ذلك بذل جهود صادقة وجادة لترتيب البيت الفلسطيني الداخلي وتفعيل منظمة التحرير الفلسطينية وتعزيز الشراكة فيها والاتفاق على استراتيجية فلسطينية موحدة تقوم على تنفيذ قرارات المجلس المركزي الفلسطيني كافة وتفعيل المقاومة الشعبية ،ورفض أي توجهات أو ايحاءات لفتح ما يسمى بأفق سياسي خادع يقود مجدداً لإعادة انتاج المرحلة الانتقالية بأشكال جديدة تحت سقف التحسينات الاقتصادية واجراءات بناء الثقة وما يسمى بالتفاهمات تحت سقف العمل بالاتفاقات الموقعة مع دولة الاحتلال التي لن تقود الى الاستقلال الذي طالما ينتظره شعبنا وضحى من أجله.