أخبار البلد-
لطالما وصفت السياسة الخارجية الصينية بأنها سياسة حذرة ومتأنية، قوامها التمعن والتركيز في الموقف، شأنها شأن رياضة المشي على الحبال المعلقة والتي يتقنها الصينيون والتي تتطلب درجة من الاحترافية العالية؛ لأن الأخطاء الصغيرة أو حالة اللاتوازن ستعني بلا شك السقوط المفضي إلى الموت!
منذ بداية الأزمة الأوكرانية تعددت التكهنات بشأن الموقف الصيني، خاصة عند أولئك الذين يتقنون رياضة التهور الفكري من خلال تكهنات واستنتاجات مبنية على الحدس والتخمين العاطفي أكثر من قراءة الواقع المبني على ربط المتغيرات: فالصين بحسب هذه التحليلات سوف تصطف مع روسيا في هذه الحرب، وستعمل على اقتحام أوروبا وضرب الغرب في عقر داره، استناداً إلى الخصومة السياسية التي تجمع روسيا والصين من جهة، وأوروبا والولايات المتحدة من جهة أخرى!
من يعتقد بهذه المعادلة فهو واهم؛ لأن الصين ليست بهذه السذاجة الاستراتيجية التي تدفعها إلى خندقة صعودها الاقتصادي، وتعريض كافة مصالحها مع الغرب إلى خطر العزلة الاقتصادية والتلويح بالورقة التايوانية.
على العكس من ذلك، الأزمة أبرزت الدور العقلاني للصين من خلال امتناعها عن التصويت على قرار لمجلس الأمن يدين الغزو الروسي، ولم تستخدم حق النقض «الفيتو» ضده كما فعلت روسيا.
الصين تدرك تماماً بأن مصالحها مع الجميع وليست مع روسيا فقط فروسيا والغرب وحتى أوكرانيا بذاتها ترتبط بالصين بعلاقات اقتصادية وثيقة، من شأنها أن تجعل صانع القرار الصيني على مسافة واحدة من الجميع. فعلى عكس روسيا التي ظهرت خلال هذه الأزمة كدولة متهورة تفتقر لأدنى درجات المسؤولية في مجلس الأمن، أظهرت هذه الأزمة عقلانية الصين كقوة مسؤولة في المجلس بشكل خاص وفي النظام الدولي بشكل عام؛ فرغم دعمها الضمني لروسيا، إلا أنها لم تترجم ذلك لا سياسياً (داخل مجلس الأمن) ولا عسكرياً (تقديم أسلحة)؛ بل على العكس تحاول الصين النأي بنفسها عن هذه الأزمة، ودعت إلى احترام سيادة وسلامة أراضي جميع الدول، وإلى حل سلمي للنزاعات الدولية على أساس مقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وتخفيف الوضع على الأرض قدر الإمكان، ومنع تصعيد الصراع إلى مستويات قد تتخطى خارج السيطرة.
في النهاية يبدو أن تصريحات وزارة الخارجية الصينية بأن «الصين ليست مهتمة ولا تنوي تقليد عقلية العدو أو الصديق للحرب الباردة» قد ترجمت لغاية الآن على أرض الواقع، إلا أن هذه الأمر لا يعني بقاء بكين في منتصف الحبل المعلق بالهواء، ولا بد لها أن تصل لنهاية الطرف الآخر من الحبل المعلق وتحظى باحترام الجميع، أو تسقط أرضاً وتسقط معها كل طموحاتها الاقتصادية والسياسية!!