أخبار البلد-
تعلّمت وعَلّمت وأنا أخوض غمار دراسة الأدب أن أبحث فيما أقرأ عما يبعث في النفس دهشة، أو يثير الإحساس بالجمال، وقد اعتراني هذا الشعور، وتملّكني ذلك الإحساس، حين قرأت عبارات التهنئة التي اختارتها جلالة الملكة رانيا العبدالله حفظها الله لتهنئة قائد البلاد المفدى جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين في عيد ميلاده الستين، وازداد عمق تلك المشاعر في نفسي حين استمعت إليها بصوتها الدافئ، مرافقا للفيديو الذي نشرته بهذه المناسبة.
في كلّ عبارة منها تجلّت حكاية عشق ممتدة في جبال الأردن، وسهوله، ووديانه، متجذّرة في أرضه، بالغة عنان سمائه، تحرس حدوده، وتزيّن روابيه، وتنغرس في نفوس أهله، لتنبعث على صورة نبضات حب صادق، ومشاعر فخر فيّاضة. عبارات قصيرة موجزة، خبأت الكثير الكثير من المعاني، أرسلتها أم الحسين لجلالة الملك متحدثة بألسنة شعبه ورعيّته، بدلالة ضمير الجمع، معبّرة عمّا في قلوبهم تجاه ملك أب قائد: " لوطننا ملك... نكلّل رؤوسنا به،... لوطننا أب،... لوطننا قائد...، نحن ملء قلبه ورسم عينيه".
عبارات لا تنماز
إحداها عن الأخرى جمالا وعمقا، وتأثيرا في النفوس، تعلق في الأذهان، وتتراءى فيها
ومن حولها صور جميلة، وأمثلة متكررة، وأدلة حية، ومواقف شتى، تشهد أنّ جلالته
" في عباءته دفء وأمان، وفي ابتسامته فرحة لقاء"، وتؤكد أنه:
" ابن بارّ بأهله، مكرّم بالدعاء، محاط بالرضا"، وتثبت على
الدوام أنه: " وصيّ أمين، وجندي لا يهاب، كريم بخُلقه".
لكن عبارة من بينها
استطاعت أن تتغلغل في أعماقي، محدِثة تلك الدهشة التي أتحرّاها دائما، إنها عبارة:
" مؤتمَن على الأمل"؛ فما أوسعها فسحة الأمل التي يمنحها جلالته
لأبنائه ولمن يلوذ به! وما أُحيلاه ذلك الأمل الذي يتحقق على يديه! وما أعظمها تلك
الأمانة التي يؤديها جلالته وهو يرعى حقوق شعبه وأمته ومصالحهم، بل يسعى في تحقيق
المزيد من الآمال والطموحات لهم! محقّقا نذر والده الحسين القائل رحمه الله:
" قد نذرت عبد الله لأسرته الكبيرة، ووهبت حياته لأمته المجيدة".
تفيض مشاعر أم الحسين
بهذه العبارات الرقيقة الراقية في وقت كنت أستحضر فيه قول النبي عليه أفضل الصلاة
والسلام: " كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيّته"؛ لأسباب تتعلق بما رافق
الحالة الجوية الأخيرة من مظاهر وما لحقها من تبعات، متأمّلة ما يحمله هذا القول
من معان ودلالات عميقة، تتجاوز في حديث من أوتي جوامع الكلم، صلوات الله وسلامه
عليه، حدود الإمام الراعي لرعيته، والرجل الراعي لبيته، والمرأة الراعية في بيت
زوجها، والخادم الراعي في مال سيده؛ إلى دلالة جليّة على ارتباط الأمر ارتباطا
وثيقا بالمسؤولية الفرديّة، والجماعيّة، والمجتمعيّة، التي يُفترض أن يتولاها كل
فرد في هذا الوطن الكبير، وكل جماعة، وكل مؤسسة؛ لعلنا نردّ بذلك بعض الجميل
لوطننا الغالي، ولمليكه المؤتمن على آمالنا.
وقد حمّلتنا كلمات
جلالتها في السياق نفسه مسؤولية كبيرة في هذا الإطار، بقولها: " للأردن
ملك قلبه وسْع الوطن، وعليه قلب الوطن"؛ فحتى تكون قلوبنا على مليكنا
الذي يسعُنا قلبه نحتاج أن نقف وقفة صادقة مع أنفسنا، في وقت أتاحت فيه مساحة
البياض الجميلة الواسعة التي اجتاحتنا مؤخرًا أن نراجع حساباتنا، ونحدد مواقفنا؛
فنتوقف عن التربّص بالأخطاء، وعن بث مشاعر انعدام الثقة، وعن جلد الذات، وعن النقد
الجارح، وعن استعجال الحكم على الأمور، منصرفين عن الأنانية المفرطة، وانعدام
الإحساس بالمسؤولية المجتمعية، والتنمّر اللفظي والمعنوي والمادي بأشكاله مختلفة،
إلى العمل الجاد المخلص الطموح، ساعين لترك بصمة إيجابية في نفس أبي الحسين المؤتمن
دومًا على آمالنا بإذن الله، مندفعين بكلّ حب لتقديم أقلّ الواجب تجاه أردننا
الغالي، وهو يخطو خطواته الأولى في مئويته الثانية، بدعم جلالته أمدّ الله عمره في
طاعته ورضاه، وأعانه على حمل الأمانة الثقيلة الغالية تجاه شعبه وأمّته.