أخذ بعض المجتهدين على الحكومة وعلى الإعلام عموما أنهما لم يدافعا «كما يجب» عن مخرجات اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية والتعديلات الدستورية التي رافقتها من جانب الحكومة.
وهنا اجتهد كغيري في توضيح الحقائق التالية:
أولا: مبرر المجتهدين أعلاه هو ما ظهر من معارضة نيابية وغير نيابية, والأصل هنا أن لا نضيق ذرعا وكعادتنا دائما بأي صوت معارض, فالمعارضة الموضوعية الراشدة التي تقدم رأيا موضوعيا, هي ظاهرة صحية مطلوبة في سائر الدول والمجتمعات.
ثانيا: كلنا نعرف أن جلالة الملك رأس الدولة أكد مبكرا أنه هو الضامن لتلك المخرجات وما يتعلق بها لدى الحكومة التي ناقشتها وأحالتها كما هي إلى البرلمان مرفقة ببعض التعديلات الدستورية الإضافية, وما دام الأمر كذلك, فإن الحكومة وإحتراما لضمانة الملك من جهة, ولدور البرلمان من جهة ثانية, ليس مطلوبا منها ولا لائقا بها أن تفتح حوارات إعلامية مسبقة قبل أن يشرع البرلمان بمناقشة ما أرسلته الحكومة إليه, فدورها يأتي عند المناقشة البرلمانية وعلى الملأ, وهو ما حصل, فلقد شارك الوزير المختص بمناقشات اللجنة القانونية لمجلس ال?واب ولا شك في أنه كان له دوره في التوضيح والشرح بين يدي اللجنة وفقا للنهج البرلماني المتبع.
ثالثا: مؤكد ربما أن ما حدث من «شجار» في الجلسة الأولى لمجلس النواب هو مبرر المجتهدين الناقدين للحكومة وللإعلام, لكن ما جرى ومنذ اللحظات الأولى لافتتاح الجلسة ورفعها وتأجيلها, حال دون أن تتدخل الحكومة وتبدي رأيا, فالجلسة لم تنعقد أصلا كما يفترض كي تبدي الحكومة وجهة نظرها.
رابعا: المنطق يقول.. إن من غير اللائق أبدا أن تذهب الحكومة وإعلامها لتسويق قراراتها بين أوساط الشعب عندما يتعلق الأمر بمسائل جوهرية كالتعديلات الدستورية قبل أن يشرع البرلمان في مناقشاته لها, ودور الحكومة هنا هو في إقناع البرلمان كتلا وفرادى ومستقلين بما جاءت به إليهم وداخل البرلمان أثناء النقاش للشرح والتوضيح للمرامي والمقاصد وقد فعلت حيثما وجب, وللبرلمان أن يأخذ بها أو لا يفعل، فهذا قراره الذي يفترض أن يكون مستمدا من آراء ومواقف قواعده الشعبية, فالحكومة لا تذهب إلى الشعب قبل برلمانه المنتخب ممثلا له.
خامسا: المنطق والعرف البرلمانيان يقولان، إن للحكومة عقد لقاءات جانبية فردية وجماعية مع من ترى من النواب لإقناعهم بقراراتها ومواقفها وأن تطلب منهم تأييدها, والحكومة التي لا تفعل ذلك في السر وفي العلن هي حكومة فاشلة لا تعمل وباستمرار على ضمان أغلبية نيابية مؤيدة لها ولقراراتها وسياساتها وكل ما تدفع به إلى البرلمان, ومن هنا فإن إنتقاد ما يسمى بـ"الكولسة» في منطوقنا الدارج بين وزراء ونواب لا يصح أن يسمى التأثير على مواقف النواب وكأنه أمر ممنوع ديمقراطيا, في وقت هو فيه حق لأية حكومة, لا بل هو واجب يجب أن تنهض ب? لضمان أغلبية نيابية إلى جانبها وباستمرار, وهكذا هي الديمقراطية, وهكذا تفعل كل حكومات الدنيا.
سادسا: أما الإعلام فهو في الأصل صدى للحدث ولما يجري, ثم هو حاضنة لعرض الآراء مؤيدة أو معارضة عندما يبدأ النقاش وقد فعل الإعلام جهده وفي القطاعين العام والخاص، وبصورة قد ترضي المؤيدين ولا ترضي المعارضين مثلا, وهذا أمر خاضع للاجتهاد أيضا.
سابعا: أنا على قناعة بكل ما أسلفت أعلاه, شرط أن لا يكون التأثير على مواقف النواب مرتبطا بمصالح خاصة لهذا النائب أو ذاك مثلا, وإن حصل فمن يلام هو النائب وليس الوزير أو الحكومة, إذ المفروض ديمقراطيا أن لا يخضع النائب لرأي حكومي هو ليس مقتنعا به وأن يصر على موقفه وقناعاته.
ثامنا: الحكومة فعلت المطلوب منها ودفعت بما لديها إلى البرلمان, والآن عيون المعارضين على البرلمان ليروا ماذا سيفعل, والبرلمان أيضا لديه حساباته التي قد تصيب في نظر البعض وتخطئ في نظر البعض الآخر.
أخيرا.. سقت ما سلف لتوضيح الحقيقة لا للدفاع عن أحد حكومة أو غيرها, وإنما هو سرد موضوعي للتراتبية الإجرائية في عرض ومناقشة وإقرار أي أمر عام تحت القبة البرلمانية, وأعتقد «والله أعلم» أن الحكومة فعلت ما عليها سواء أكان مقبولا مستساغا من لدن الشعب أم لا، وكذا فعل الإعلام بشقيه العام والخاص, والقرار الآن للبرلمان, وحبذا لو أن النواب المؤيدين يشرحون للإعلام مواقفهم ومراميها كما يشرح النواب المعارضون وهذا حق لهم لا ينازعهم فيه منطق أبدا.
ختاما.. المعارضة مطلوبة وظاهرة صحية في أي أمر, وعلينا في الأردن أن نعتاد على قبول هذه الحقيقة وألا نضيق ذرعا بمن يقول «لا» بأسلوب موضوعي حضاري راق هو سبيل الأوطان إلى رسم سياساتها وسبل عيشها.. والله من أمام قصدي.