شكراً جزيلاً للدكتور برهان غليون، رئيس عصابة المجلس اللاوطني السوري (او الاسطنبولي)، لانه كفّى ووفّى·· بق البحصة، وكشف المستور، وفضح الطابق، وجهر بالمسكوت عنه، واعلن جهاراً نهاراً وعلى صفحات جريدة الوول ستريت جورنال الامريكية، ان سوريا في عهده (الذي سيتحقق في المشمش) سوف تفك ارتباطها بايران وحماس وحزب الله، وترفع اغصان الزيتون والليمون والزيزفون في وجه الشقيقة الكبرى اسرائيل، لعلها تتكرم بالتنازل عبر المفاوضات السلمية عن الجولان المحتل·
شكراً جزيلاً لهذا المتفرنس الذي تليق به جنسية الجنرال غورو، وصداقة الصهيوني برنار ليفي، فقد اراحنا من مهمات حشد البراهين، وجمع الحجج والاسانيد التي تثبت عمالته للاجنبي، وعداءه للمقاومة، وخيانة مجلسه الاسطنبولي لامانة المسؤولية، ودماء شهداء سوريا، وشرف الانتماء العربي·· مؤكداً بذلك مقولة لينين الشهيرة : "المثقفون اقرب الناس الى الخيانة، لانهم الاقدر على تبريرها"·
بعظمة لسانه، اعترف هذا الرغالي الصغير بما خجل ان يعترف به رغالي عراقي اسمه احمد الجلبي، واعلن في وقت مبكر ما خشي ان يعلنه مبكراً رغالي ليبي اسمه مصطفى عبد الجليل، وتعهد باجراء انقلاب في المعادلات السورية ما سبقه الى مثله سوى رغالي مصري اسمه انور السادات كان قد انقلب على الخط الناصري، وقفز الى احضان امريكا واوروبا واسرائيل·
يعرف برهان بن ابي رغال ان هذه التصريحات ستشكل فضيحة سياسية له ولمجلسه الملفق والمفبرك، وان قطاعات واسعة من الشعب السوري والجماهير العربية ستقابلها بالتنديد والاستنكار، وان الكثير من المخدوعين فيه والمراهنين عليه سيجدون انفسهم في موقف صعب وزاوية حرجة، ولكنه ضرب بكل هذه الاعتبارات عرض الحائط، لانه يراهن منذ اول يوم على الصهيونية وامريكا والرجعية العربية، ويرغب في استدراج اكبر قدر من دعم هذه القوى له ولمجلسه العثماني، ويتوهم انها هي التي تقوى على تنصيبه حاكماً في عاصمة الامويين، وليس جماهير الشعب السوري وهيئاته الوطنية والقومية التي سرعان ما حسمت امرها، وانحازت الى النظام القائم، بمجرد ان استبانت الخيط الابيض من الاسود، واكتشفت ان شعارات الحرية والديموقراطية ومحاربة الفساد ليست سوى ذر للرماد في العيون، او حق يراد به باطل·
لا اهمية عند هذا الغليون للوطنية او القومية او الجهاد او القيم والمواقف والمبادئ السامية، ولا مكان في قاموسه للشرف والعزة والكرامة والغيرة العربية·· فهو محض مخلوق براغماتي وانتهازي قادته انانيته المريضة الى مهاوي الخيانة والتبعية، وزينت له الالتحاق بركب اعداء الوطن السوري من صهاينة واطلسيين ورجعيين عرب وعثمانيين جدد، واوهمته ان بمقدور هؤلاء الاعداء اعادة انتاج تجربة حلف الناتو الليبية في سوريا، وان مصير القذافي هو ما ينتظر بشار الاسد·
لكن هذا الكرزاي الصغير وقع في شر اقواله واوهامه، وكسر عصاته من اول غزواته، واقترف خطأ فادحاً في حساب الكميات وترتيب الاولويات، واثبت انه تلميذ خائب ومعارض فاشل منح خصومه من دهاقنة السياسة والترويج والدبلوماسية في النظام السوري سلاحاً فتاكاً يحاربونه به في حضرة الشعب السوري المعروف تاريخياً باعتداده الوطني والقومي، وعلى مشهد من الرأي العام العربي المفطور ابدياً على كراهية امريكا واوروبا واسرائيل وحلفائها وعملائها القدامى والجدد·
غير ان هذا الغليون المأفون ليس معزولاً عن مجلسه الوطني الاسطنبولي، ولا بعيداً عن حلفائه من المعارضين داخل هذا المجلس وخارجه، فالكل - فيما يبدو - موافق على تصريحاته اياها، ومتفق معه في القول والفعل، والا لكان قد طلع علينا من اعلن اعتراضه على هذه التصريحات البائسة، او نأى بنفسه عنها واعتبرها محض وجهات نظر شخصية، او حتى اعرب عن تشككه في صحتها وانحى باللائمة على الصحيفة التي يحتمل ان تكون قد حرّفتها·
نفهم ان يدعو غليون ومجلسه اللاوطني للقطيعة مع ايران، او حتى حزب الله بوصفهما مساندين للنظام السوري، او باعتبارهما من منتسبي المذهب الشيعي المتمايز عن المذهب السني الذي تدين به تركيا العثمانية، ولكن كيف لنا ان نفهم دعوته لمقاطعة حركة حماس الفلسطينية السنية، والمعتبرة فصيلاً جهادياً من فصائل جماعة الاخوان المسلمين التي تشاركه في الانتماء للمجلس اللاوطني، وتشاطره في الولاء لاردوغان العثماني ؟؟
اين صوت الشيخ محمد رياض شقفة، المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين من هذا الموقف الغليوني؟؟ ولماذا ابتلع الاسلاميون في سائر ارجاء الوطن العربي السنتهم، ولاذوا بصمت القبور ازاء هذه الفضيحة الوطنية والاخلاقية والدينية والقومية المدوية ؟؟ وهل كان الاسلاميون اياهم سيعتصمون بالصبر والصمت لو ان صاحب الدعوة لسد الابواب في وجه حماس المجاهدة، هو بشار الاسد او فاروق الشرع او وليد المعلم ؟؟
منذ الشهر الثاني للحركة الاحتجاجية السورية، وحين لم تتجاوب قوى المعارضة مع توجهات الحكم الاصلاحية، او تستجيب حتى الى دعواته للحوار الوطني، ادركنا ان هناك ملعوباً دولياً وعربياً واقليمياً يستهدف امن واستقرار ووحدة الوطن والشعب في سوريا العزيزة، وان المستهدف ليس مثالب وسلبيات النظام من فساد واستبداد، بل انبل واشرف سياساته وممارساته وتطلعاته وتحالفاته المكرسة جميعها لمناهضة المشروع الاسرامريكي، ومناصرة قوى الممانعة والمقاومة والجهاد والصمود·
منذ الشهر الثاني للحركة الاحتجاجية زال اللبس، وظهر الملعوب، واتضحت الرؤية حتى للاعمى، ولم تعد المسألة مسألة معرفة وفهم ودراية بالحقائق والوقائع التي اصبحت اكثر من مكشوفة، بل باتت مسألة مواقف وخيارات واصطفافات مقصودة لذاتها مع سبق الاصرار والترصد، ومحكومة بمصالح واهواء وحسابات حزبية واجندات خارجية وصراعات على السلطة والحكم لا علاقة لها البتة بالمنطق والحق والحقيقة والقناعة، وانما يصح فيها القول الشعبي الشائع : "عنزة ولو طارت"·
وعليه·· مسكين هذا البرهان بن العلقمي، فقد اشترى فضيحته باعلى الاثمان، وهزم نفسه من حيث لا يحتسب، والقى بآخر اوراقه في الوقت الخطأ، وراهن على قدرات القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية، وليس على وطنية الجماهير السورية، واهدى - دون قصد - لحكام سوريا ود وتأييد ملايين الشرفاء والاحرار العرب الذين فجعتهم تصريحاته الخيانية، وبرهن ان الفارق بينه وبين الرئيس بشار في فن القيادة ابعد مما بين الثرى والثريا، وباء بلعنة من التاريخ وبغضب من المولى عز وجل الذي قال فيه وفي عصابته : "فانها لا تعمى الابصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"·
شكراً جزيلاً لهذا المتفرنس الذي تليق به جنسية الجنرال غورو، وصداقة الصهيوني برنار ليفي، فقد اراحنا من مهمات حشد البراهين، وجمع الحجج والاسانيد التي تثبت عمالته للاجنبي، وعداءه للمقاومة، وخيانة مجلسه الاسطنبولي لامانة المسؤولية، ودماء شهداء سوريا، وشرف الانتماء العربي·· مؤكداً بذلك مقولة لينين الشهيرة : "المثقفون اقرب الناس الى الخيانة، لانهم الاقدر على تبريرها"·
بعظمة لسانه، اعترف هذا الرغالي الصغير بما خجل ان يعترف به رغالي عراقي اسمه احمد الجلبي، واعلن في وقت مبكر ما خشي ان يعلنه مبكراً رغالي ليبي اسمه مصطفى عبد الجليل، وتعهد باجراء انقلاب في المعادلات السورية ما سبقه الى مثله سوى رغالي مصري اسمه انور السادات كان قد انقلب على الخط الناصري، وقفز الى احضان امريكا واوروبا واسرائيل·
يعرف برهان بن ابي رغال ان هذه التصريحات ستشكل فضيحة سياسية له ولمجلسه الملفق والمفبرك، وان قطاعات واسعة من الشعب السوري والجماهير العربية ستقابلها بالتنديد والاستنكار، وان الكثير من المخدوعين فيه والمراهنين عليه سيجدون انفسهم في موقف صعب وزاوية حرجة، ولكنه ضرب بكل هذه الاعتبارات عرض الحائط، لانه يراهن منذ اول يوم على الصهيونية وامريكا والرجعية العربية، ويرغب في استدراج اكبر قدر من دعم هذه القوى له ولمجلسه العثماني، ويتوهم انها هي التي تقوى على تنصيبه حاكماً في عاصمة الامويين، وليس جماهير الشعب السوري وهيئاته الوطنية والقومية التي سرعان ما حسمت امرها، وانحازت الى النظام القائم، بمجرد ان استبانت الخيط الابيض من الاسود، واكتشفت ان شعارات الحرية والديموقراطية ومحاربة الفساد ليست سوى ذر للرماد في العيون، او حق يراد به باطل·
لا اهمية عند هذا الغليون للوطنية او القومية او الجهاد او القيم والمواقف والمبادئ السامية، ولا مكان في قاموسه للشرف والعزة والكرامة والغيرة العربية·· فهو محض مخلوق براغماتي وانتهازي قادته انانيته المريضة الى مهاوي الخيانة والتبعية، وزينت له الالتحاق بركب اعداء الوطن السوري من صهاينة واطلسيين ورجعيين عرب وعثمانيين جدد، واوهمته ان بمقدور هؤلاء الاعداء اعادة انتاج تجربة حلف الناتو الليبية في سوريا، وان مصير القذافي هو ما ينتظر بشار الاسد·
لكن هذا الكرزاي الصغير وقع في شر اقواله واوهامه، وكسر عصاته من اول غزواته، واقترف خطأ فادحاً في حساب الكميات وترتيب الاولويات، واثبت انه تلميذ خائب ومعارض فاشل منح خصومه من دهاقنة السياسة والترويج والدبلوماسية في النظام السوري سلاحاً فتاكاً يحاربونه به في حضرة الشعب السوري المعروف تاريخياً باعتداده الوطني والقومي، وعلى مشهد من الرأي العام العربي المفطور ابدياً على كراهية امريكا واوروبا واسرائيل وحلفائها وعملائها القدامى والجدد·
غير ان هذا الغليون المأفون ليس معزولاً عن مجلسه الوطني الاسطنبولي، ولا بعيداً عن حلفائه من المعارضين داخل هذا المجلس وخارجه، فالكل - فيما يبدو - موافق على تصريحاته اياها، ومتفق معه في القول والفعل، والا لكان قد طلع علينا من اعلن اعتراضه على هذه التصريحات البائسة، او نأى بنفسه عنها واعتبرها محض وجهات نظر شخصية، او حتى اعرب عن تشككه في صحتها وانحى باللائمة على الصحيفة التي يحتمل ان تكون قد حرّفتها·
نفهم ان يدعو غليون ومجلسه اللاوطني للقطيعة مع ايران، او حتى حزب الله بوصفهما مساندين للنظام السوري، او باعتبارهما من منتسبي المذهب الشيعي المتمايز عن المذهب السني الذي تدين به تركيا العثمانية، ولكن كيف لنا ان نفهم دعوته لمقاطعة حركة حماس الفلسطينية السنية، والمعتبرة فصيلاً جهادياً من فصائل جماعة الاخوان المسلمين التي تشاركه في الانتماء للمجلس اللاوطني، وتشاطره في الولاء لاردوغان العثماني ؟؟
اين صوت الشيخ محمد رياض شقفة، المراقب العام للاخوان المسلمين السوريين من هذا الموقف الغليوني؟؟ ولماذا ابتلع الاسلاميون في سائر ارجاء الوطن العربي السنتهم، ولاذوا بصمت القبور ازاء هذه الفضيحة الوطنية والاخلاقية والدينية والقومية المدوية ؟؟ وهل كان الاسلاميون اياهم سيعتصمون بالصبر والصمت لو ان صاحب الدعوة لسد الابواب في وجه حماس المجاهدة، هو بشار الاسد او فاروق الشرع او وليد المعلم ؟؟
منذ الشهر الثاني للحركة الاحتجاجية السورية، وحين لم تتجاوب قوى المعارضة مع توجهات الحكم الاصلاحية، او تستجيب حتى الى دعواته للحوار الوطني، ادركنا ان هناك ملعوباً دولياً وعربياً واقليمياً يستهدف امن واستقرار ووحدة الوطن والشعب في سوريا العزيزة، وان المستهدف ليس مثالب وسلبيات النظام من فساد واستبداد، بل انبل واشرف سياساته وممارساته وتطلعاته وتحالفاته المكرسة جميعها لمناهضة المشروع الاسرامريكي، ومناصرة قوى الممانعة والمقاومة والجهاد والصمود·
منذ الشهر الثاني للحركة الاحتجاجية زال اللبس، وظهر الملعوب، واتضحت الرؤية حتى للاعمى، ولم تعد المسألة مسألة معرفة وفهم ودراية بالحقائق والوقائع التي اصبحت اكثر من مكشوفة، بل باتت مسألة مواقف وخيارات واصطفافات مقصودة لذاتها مع سبق الاصرار والترصد، ومحكومة بمصالح واهواء وحسابات حزبية واجندات خارجية وصراعات على السلطة والحكم لا علاقة لها البتة بالمنطق والحق والحقيقة والقناعة، وانما يصح فيها القول الشعبي الشائع : "عنزة ولو طارت"·
وعليه·· مسكين هذا البرهان بن العلقمي، فقد اشترى فضيحته باعلى الاثمان، وهزم نفسه من حيث لا يحتسب، والقى بآخر اوراقه في الوقت الخطأ، وراهن على قدرات القوى الاستعمارية والصهيونية والرجعية، وليس على وطنية الجماهير السورية، واهدى - دون قصد - لحكام سوريا ود وتأييد ملايين الشرفاء والاحرار العرب الذين فجعتهم تصريحاته الخيانية، وبرهن ان الفارق بينه وبين الرئيس بشار في فن القيادة ابعد مما بين الثرى والثريا، وباء بلعنة من التاريخ وبغضب من المولى عز وجل الذي قال فيه وفي عصابته : "فانها لا تعمى الابصار، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"·
فن العيش وعشق الحياة
كم هو جميل ان تكون على قيد الحياة
(هنري ساتون)
الحياة رحلة مثيرة·· مغامرة بلا بوصلة، او مناورة بالذخيرة الحية·
الحياة سر الوجود، ففي غيابها يحضر العدم، ويتحقق التلاشي، ويهيمن ليل الضياع·· لولا ذلك لما ارتعد الكثيرون خوفاً من بعبع الموت، ذلك لان الاشد هلعاً من هذا البعبع، هم العلمانيون الموقنون ان لا حياة اخرى تخلف الحياة الدنيا، فيما يستمتع المؤمنون بالبعث واليوم الآخر، بالكثير من مشاعر الطمأنينة والاحتساب والسلام الروحي·
الحياة حق انساني مقدس، فهي هبة الله الى بني البشر، وهي اثمن رأس مال لدى كل المخلوقات، وهي ضرورة لازمة لتعمير هذا الكوكب الارضي، وهي الصانع والمحرك الاول لوقائع التاريخ ومساراته، وهي التجربة الوحيدة والفريدة التي لا يستطيع الانسان تكرارها مرة اخرى·· وفقاً لما يقول هنري تيلمان : "الحياة هي الشيء الوحيد الذي يجربه جميع الناس مرة واحدة"·
الكثيرون حاولوا ان يفلسفوا الحياة·· ان يسبروا اغوارها، ويستكشفوا اسرارها، ويضعوا النقاط الملونة فوق حروفها، ويضفوا هالة من رؤاهم وتصوراتهم وشطحاتهم عليها·· غير انها ظلت عصية على الكثير من التعليل والتحليل، وبقيت غامضة وملتبسة ومبنية للمجهول لا تفرط قط بمكنوناتها وخباياها، ولا تجيب البتة عن سؤال المصدر والمصير، او ما قبل الميلاد وما بعد الموت·· ذلك السؤال الذي مازال يحير البشرية منذ بواكير الزمن الفلسفي الاغريقي حتى وقتنا الراهن·· الامر الذي دفع جورج هربرت الى القول : "علينا ان ننفق نصف الحياة، قبل ان نعرف ما هي"·
الكثيرون حاولوا التعمق في قراءة معاني الكينونة البشرية او الوجود الانساني، وعمدوا الى التفريق بين مفهوم الحياة ومفهومي العيش والبقاء، فاعتبروا ان الحياة قمة الوجود الانساني، وارقى حالات هذا الوجود واسعد لحظاته واوقاته، فالحياة عندهم تعني وعي الحياة والاستمتاع بمحطات العمر·· فيما اعتبروا العيش بمثابة الدرجة الثانية من درجات الوجود الانساني، والحالة الادنى من حالات الحياة الطبيعية، في حين اعتبروا البقاء بمثابة الدرجة الدنيا من درجات الوجود البيولوجي الانساني والحيواني، والحالة شبه النهائية التي تسبق الفناء والعدم·
للحياة ابعادها الافتراضية، فهي ذات طول وعرض وعمق، وقد يطغى بعض هذه الابعاد على الآخر، او يتمدد على حسابه، كأن تطول سنوات العمر شقية وسطحية لا عمق فيها ولا متعة، او كأن تكتظ حديقة العمر بازاهير السعادة والهناء ولكن ضمن سنوات قليلة ومحدودة، او كأن يطول العمر ويرفل صاحبه في اثواب الرغد والهناء والمسرات ولكن دون ان يؤدي رسالة سامية، او ينهض بدور مرموق، او يُسدي خدمة عامة، او يترك بصمات مميزة في دفاتر التاريخ·
عموماً، فالحياة غانية حسناء وهيفاء لا تعشق الا من يعشقها، ولا تُقبل الا على من يُقبل عليها، ولا تفتح قلبها الا لمن يفتح قلبه لها، ولا تمنح عقلها الا لمن يفهمها ويتفهمها، ولا تسلس قيادها الا لمن ينال اعجابها ويملأ عينها ويقوى على كبح غرورها وضبط ايقاعها ومنحها المعنى المناسب لها، وفقاً لمقولة جين ستايسي : "علينا ان نعطي للحياة معناها، لا ان ننتظرها كي تعطينا هذا المعنى"·
الحياة عنقود امل وتفاؤل وانشراح، فالامل قنديل اخضر يضيء دروب الحياة، والتفاؤل محرك قوي يذلل المصاعب والعقبات، بينما اليأس والتشاؤم والقنوط اعدى اعداء الحياة، وقد سبق للزعيم المصري مصطفى كامل ان قال : "لا يأس مع الحياة، ولا حياة مع اليأس"، فيما قال الاديب الروسي ديستوفسكي : "ان تعيش دون امل كأنك توقفت عن الحياة"·
للارادة ايضاً دورها المهم والكبير في توفير السعادة وتحسين شروط الحياة، فالارادة قوة اصرار واقتدار من شأنها تسهيل الصعب، وتعبيد الدرب، وتفريج الكرب، وتيسير سبل العيش الكريم·· وشتان بين انسان ضعيف الارادة وقليل الحيلة تذروه رياح الحياة، وبين آخر قوي الارادة والعزيمة والشكيمة يملك ان يصوغ حياته ويتحكم في آليات صناعتها وخرائط هندستها·
للحب ايضاً مقامه ومكانته في صناعة السعادة والاستمتاع بالحياة، فالحب بمعناه الواسع والنبيل هو رحيق العيش واكسير الحياة، بل هو ابتسامة مشرقة ومموسقة ترتسم على ثغر الوجود الانساني برمته·· فلولا الحب لانقطعت وشائج التراحم والتعاطف والتفاعل بين الناس، ولولا الحب لتحولت الحياة الى صحراء مجدبة وجرداء لا فرح فيها ولا مسرة او هناء·· فالفرح، رغم خصوصيته، الا انه طقس جماعي واجتماعي لا يتحقق بمعناه الكلي الا بمشاركة الاخرين·· وكم كان اوسكار وايلد راٌّئعاً ومبدعاً حين قال : "في الحياة نعمتان، حب الفن وفن الحب"، فيما يقول جاك روسو : "الرجل يحب ليسعد بالحياة، والمرأة تحيا لتسعد بالحب"·
وعليه·· فالحياة فن عظيم لا يجيده ويتقن العزف على اوتاره الا الاذكياء والنجباء والفنانون والشعراء المضرجة قلوبهم بالحب وعقولهم بالفهم والالهام، وليس سراً ان فن ادارة شؤون الحياة من اصعب الفنون والمهمات، وهو يحتاج الى الكثير من الكفاءة والتجربة والتوفيق الرباني، وبخلاف ذلك تتحول الحياة - كما قلنا - الى مجرد عيش او محض وجود على قيد البقاء·· فكم من شخص يحسب انه يحيا، فيما هو يزاول العيش فقط، وكم من امرئ يعيش ثم يموت دون ان يتذوق طيب الحياة او يتنسم عطرها او تتشنف مسامعه بعذوبة انغامها وموسيقاها، ولعلنا جميعاً قد سمعنا "بقصة جبر" الذي طلب ان يُكتب على شاهد قبره "هذا جبر·· من رحم امه الى القبر"·· والمعنى مفهوم جيداً·
الحياة - وفق فريد الاطرش - "حلوة بس نفهمها"·· ذلك لان فهم الحياة هو المقدمة الاولى والضرورية للاستمتاع بها، والتعامل السلس معها، والوقوف على حقائقها ودقائقها ومواطن المتعة والسرور فيها، واجتناب الكثير من المخاطر والمزالق والمحاذير والمنغصات التي تكدر الصفو وتعكر المزاج وتسبب الاحزان والاوجاع·· ومن هنا جاء قول توماس جيفرسون : "فن الحياة، هو فن تجنب الالم"، فيما يقول ديباك شوبرا : "افضل جواب على سؤال الحياة، هو الاستمتاع بها"·
مؤسف ان يتوهم الكثيرون ان السعادة الحياتية تتحقق بالكسب وليس الوهب·· بالاخذ وليس العطاء·· بالانانية وليس التضحية·· بالخلاص الفردي وليس الجماعي، في حين ان العكس هو الصحيح والمريح، اذ لا طعم للحياة المعزولة عن الناس، ولا سعادة للفرد وسط جمع من التعساء، ولا امن او طمأنينة له بين حشد من المحرومين والاشقياء، وما كان اصدق رهين المحبسين الشاعر المعري حين قال··
ولو أني حُبيتُ الخلدَ فرداً
لما أحببتُ بالخلدِ انفرادا
فلا هطلتْ علي ولا بارضي
سحائبُ ليس تنتظمُ البلادا