اخبار البلد -
لا أعرف لماذا أتذكر الآن صديقي ( عنتر الفارس أبو سيف) الذي كان يحاول دائماً أن يقنعني أن الحياة (مش على كيفي) ..وأنك إذا أردت أن تعيشها فعليك أن تحمل معك أينما تمضي (سيوفاً و قنابل) لأنّ الحياة اشتباك ..اشتباك مع الجميع ..كي لا تشعر بالضعف ؛ بالاهانة ؛ وبالتالي بالهزيمة مع (حرب الحياة) ..!!
كنتُ دائماً أحاول إقناعه أن الحياة (مش هيك) و أبسط بكثير مما يعتقد ..ولا تحتاج كل هذه التدابير وكل هذه الأسلحة ..يكفي أن تواجه الحياة بالصدق و الوضوح و سيضطر الكثيرون إلى الخضوع لقانونك في التعامل معك وفي منحك تفاصيل الدفء..! كنتُ أقول له ذلك وأنا أعلم إنني أبالغ في تبسيط الحياة في مقابل مبالغته في تعقيدها ..من أجل أن نصل إلى حلّ وسط بيننا ..ولكنه كان يقول لي و الأنفة و الشموخ يتصدران مشيته و كلامه : إنت جاهل ورايح تظل طول عمرك جاهل ؛ رغم ثقافتك و أشعارك و مبادئك و تجاربك الطويلة ؛ إلا أنك تغرق في شبر ماء..!
ودارت الأيام وافترقنا ..وصورة (عنتر الفارس أبو سيف) لم تفارق مخيلتي ..قامة طويلة و عينان مليئتان بالفخر و مشية تشبه مشية المحارب المحترف ..إذا جلس؛ تقدمت نحوه جيوش وجحافل من البشر المعجبين بشخصيته..و إذا وقف ؛ اشرأبّت نحوه كلّ الأعناق تريد نظرة رضا منه أو ابتسامة ساخنة..! وإذا (كحّ ) تختلط عبارات المديح صوبه ببعضها ..كان عنتراً و فارساً و أبا سيف ..!!
قبل عشرة أعوام إلا شويّة ..جاءني تلفون من صديق مشترك ؛ يقول لي : أبو سيف في المستشفى و يريدك في الحال ..! ذهبتُ إليه ..ممدداً على السرير ؛ لا يقوى على القيام ..ابتسم في وجهي ابتسامة باردة ..وقال لي بصوت ينخفض تدريجياً مع كل حرف : شايف شو صار بعنتر ..؟ عنتر ولا إشي ..عنتر كومة لحمٍ فاسد ..والهيلمان الذي كنتُ به خسرته في جولة واحدة ..لكنها جولة مفاجئة ..!
حاولتُ أن اسكته كي لا يتعب أكثر ..لكنه شدّ على يدي و قال : اشتبكتُ مع كلّ الدنيا وربحتُ كل معاركي و نسيتُ أن آخذ حذري من الدائرة الضيقة التي تحيط.. أسلمتهم ظهري وأنا مطمئن لكل غزواتي التي من أجلهم..!
يرحمه الله ؛ حينما نظرتُ إلى عينيه اللتين كانتا مليئتين بالفخر ورأيتُ دمعتين ذليلتين تنزّان منهما ..أدركتُ أن (عنتر الفارس أبو سيف ) عربيٌّ قُحٌّ ؛ يشبع العالم جعجعة وهو أضعف من طفلٍ يتيمٍ تاه في عرض الصحراء الخاوية ولا خريطة كرامةٍ لديه ..!!