في كتابه «سؤال حقوق الإنسان»، يعرض مؤلفه عماد عمر للنسبية الثقافية وحقوق الإنسان، وهي قضية شكلت وما تزال مدارا للبحث والنقاش والجدل؛ فعالمية حقوق الإنسان لطالما كانت الخصوصية الثقافية تحديا أمام تطبيقها، وفي أحيان كثيرة ذريعة تم توظيفها للحيلولة بين الشعوب وبين التمتع بحقوقها.
في معرض إجابته عن سؤال حقوق الإنسان المتعلق بالنسبية الثقافية وعالمية هذه الحقوق، يشير عماد عمر الى أن حركة حقوق الإنسان هي نتاج التجربة الإنسانية في جميع أنحاء العالم، فمفاهيم الحرية والكرامة والعدالة هي مفاهيم عبر عنها الإنسان عبر التاريخ بأشكال متعددة؛ فالرسول محمد صلى الله عليه وسلم نادى بمنظومة تؤسس لقيم المساواة والحرية والعدل بين بني البشر لإحقاق الحق والنهوض بالبشرية دون إيلاء أي اعتبار للعرق أو الجنس أو اللون، والمسيح عليه السلام دعا الى المحبة والسلام والتسامح بين بني البشر، وهو الذي قال لتلاميذه «تعلمون أن الذين يعدون رؤساء الأمم يسودونها وأن أكابرها يتسلطون عليها، فليس الأمر فيكم كذلك بل من أراد أن يكون كبيرا فيكم فليكن لكم خادما». والخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال جملته الشهيرة «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وذلك قبل أربعة عشر قرنا من إقرارها في المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948 التي جاء فيها «يولد جميع الناس أحرارا ومتساوين في الكرامة والحقوق». وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، قال «قد وليت عليكم ولست بخيركم، أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيت فلا طاعة لي عليكم، وسيكون الضعيف منكم قويا عندي حتى أخذ الحق له». ومارتن لوثر كنغ قاد حركة مدنية في الولايات المتحدة الأميركية لتحقيق المساواة بين السود والبيض، ولينين في روسيا قاد ثورة لتحرير العمال والفلاحين من الاستغلال، والأم تريزا كرست حياتها من أجل مساعدة الفقراء، وهي القائلة بعد تجربتها الطويلة «العراة ليسوا فقط هؤلاء الذين لا تكسو أجسادهم الثياب الكافية بل الذين تنقصهم الكرامة الإنسانية». والثورة الفرنسية دعت الى المساواة والإخاء والحرية. ولا تنتهي هذه الأمثلة من التجارب الإنسانية التي أوجدت لنا سلة من القيم المتشابهة بين الثقافات والتي منها نهلت حركة حقوق الإنسان مفاهيمها، فالحديث عن حقوق الإنسان قديم قدم التاريخ دون استخدام تعبير حقوق الإنسان، الى أن تبناها المجتمع الدولي في وقتنا الحالي لتعبر عن منظومة هذه الحقوق المعترف بها دوليا.
الشاهد من ذلك كله أن الإنسانية هي سر عالمية حقوق الإنسان وجوهرها، فما يجمع الأفراد عبر العالم يفوق بأضعاف مضاعفة ما يفرقهم أو يشكل خصوصية مطلقة لهم، يجمعهم المصير المشترك وقيم المساواة والحرية والعدالة التي كافحت وما تزال شعوب العالم من أجلها.
سؤال حقوق الإنسان
أخبار البلد - أخبار البلد -