تشريعات مهمة ومفصلية تلك التي تشكل مدار بحث على طاولة اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية، في مقدمتها قانونا الانتخاب والأحزاب، وعلى أهمية هذه التشريعات ومحوريتها في حياة أيّ دولة تسعى وتؤمن بالتعددية والتشاركية والحياة الديمقراطية وعناصرها، فإنّ الحديث عن إصلاح سياسي متكامل ينهض بواقع الحال ويلمس الفرد أثره في المجالات كافة، لا بدّ وأن يترافق بعمل مواز يستهدف مراجعة مصفوفة التشريعات ذات العلاقة بحرية التعبير، بما في ذلك التشريعات الإعلامية؛ فحرية التعبير وكما أشار التعليق العام رقم 34 الصادر عن اللجنة المعنية بحقوق الإنسان شرط لا غنى عنه لتحقيق النمو الكامل للفرد، ويشكل حجر الزاوية لكل مجتمع تسوده الحرية والديمقراطية وضرورة لازمة لإرساء مبادئ الشفافية والمساءلة التي تمثل بدورها عاملًا أساسيًا لتعزيز حقوق الإنسان وحرياته، وتعدّ قبل كلّ شيء الضامن لمشاركة فاعلة في الحياة الحزبية والنيابية وغيرها من أطر وصور المشاركة في إدارة الشأن العام.
يشير الواقع العملي إلى أنّ حرية التعبير وحرية الإعلام كانت دومًا عرضةً لحالة من عدم الاستقرار والتذبذب في توسيع مساحة الحرية أو تضييقها؛ ويعود السبب الرئيس في ذلك إلى غياب معايير قانونية واضحة تضع حدودًا فاصلةً بين النقد المباح والنقد غير المشروع ضمن محددات قانونية تكون الحرية فيها هي الأصل والقاعدة العامة والاستثناء هو التقييد وفي أضيق الحدود برؤية تعكس روح الدستور الأردني وتجسد ما أقرته المعايير الدولية ذات العلاقة بحرية التعبير عمومًا.
في العام 1990 كرس الميثاق الوطنيّ الأردني رؤية تقدمية لما يجب أن يكون من ثوابت في مجال الحق في حرية الرأي والتعبير بما في ذلك حرية الصحافة والإعلام، مشيرا إلى أن «وسائل الاتصال الجماهيرية تؤدي دورا مهما في ترسيخ النهج الديمقراطي وتعزيزه… وأن على الدولة أن تسن التشريعات اللازمة لحماية الصحفيين والإعلاميين في أدائهم لواجباتهم وتوفير الأمن المادي والنفسي لهم وأن تضمن الدولة حرية الوصول الى المعلومات…».
والآن وبعد ما يقارب الثلاثين عامًا على اصدار هذا الميثاق وفي ظل التوجهات نحو عملية اصلاح شاملة تنهض بالوطن وتزيل أي اختلالات، نتأمل أن يكون للتشريعات المتعلقة بحرية التعبير عمومًا والتشريعات ذات العلاقة بالإعلام بشكل خاص مكانًا بارزًا في عملية الإصلاح هذه لتؤتي أكلها بالشكل المطلوب، وتعيد للأفراد الأمن القانونيّ من خلال تشريعات منضبطة، بعيدة عن الضبابية والعمومية في التجريم، تسير وفق مبدأ الشرعية وتعلي من قيم الحرية المسؤولة.