يبدو أن البعض منا إتجه ويتجه الى أخذ البلاد الى ما يمكن تسميته" فلسفة الاستبداد"في التعاطي مع قضايا الوطن،وهذا ليس مقتصرا على الرسميين ممن عملوا أو يعملون الآن في مؤسسات الدولة، بل أيضا من الاحزاب والقوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني وحتى الافراد، وما نشهده الان من أزمة النائب اسامة العجارمة التي فجرها مجلس نيابي لا يمثل غالبية الاردنيين ويعجز الجميع عن حلها من خلال منطق العقل، يؤكد أن طريقة إدارة الازمات وفق العقلية السابقة كانت خاطئة، وأن من يملكون القرار أو من يفجرون الازمات ممن يتولون المواقع نيابية كانت او حكومية ليسوا مؤهلين لادارة ملفات الوطن .
أن أخذ البلاد نحو المجهول لأن أحد ما يعتقد أن وجهة نظره أو أرائه هي الحقيقة المطلقة وهو من يملك ناصيتها وعلى الجميع الخضوع لها ،هي الطامة الكبرى التي الحقت وستبقى تلحق الاذى بالبلاد ،وستجعلنا من حين الى اخر نعيش على فالق زلزالي من المشاكل التي يمكن أن تثور بين الدقيقة والاخرى.
اليوم مطلوب من جميع المؤسسات أن تغير السياسة السابقة التي كانت تقوم على إدارة الأزمة لا حلها أو ترحيلها عبر إجراءات ثبت أنها قد دمرت العلاقة بين أركان الدولة والمواطن، وافقدت المواطن الثقة بهذه المؤسسات الى أن وصلنا مرحلة الاحتباس الحراري بين الحكومات والشعب ،وستبقى العلاقات متوترة وتتجه نحو التفاقم وولادة المزيد من المشاكل وستتفجرهذه المشاكل كقنابل موقوتة إجتماعيأ وسياسيأ وإقتصاديأ طالما أن الذهنية في التعامل مع القضايا التي تواجهنا تتم وفق الآليات القديمة التي كانت وراء وصولنا الى هذا المشهد من العلاقة بين الدولة والشعب ، كذلك على القائمين على الاحزاب والقوى المجتمعية المتعددة نقابية كانت أم مؤسسات مجتمع مدني، أن تنظرالى ما يواجه الوطن من مشاكل من خلال نظرة واحدة ، وهي أننا كلنا شركاء في الازمة وفي المسؤولية عن إيجاد الحلول لها، وعلى مؤسسات الدولة أن تفتح أذرعها لاستقبال الناس والاستماع لهم وعدم إقصائهم كما هو حاصل الان، وعلى قاعدة أن الوطن أكبر منا جميعا.
إن من دمر البلاد وأساء للعباد، هي تلك الادارة "الانانية "والمنفعية القائمة على أن من يتحكم في موقع ما يعتقد انه يملك المعرفة أي" ابو العريف " وهذا لايجب أن يستمر، فحفظ الوطن ومواجهة التحديات التي تواجهه تتطلب المشاركة في صناعة القرار،كما أنه لا يجب ان نختبىء خلف اصابعنا ونقول إن المشاركة موجودة من خلال مجلس النواب ، فجمعينا يعرف أن المجالس النيابية قد تم العبث بنتائج انتخاباتها اكثرمن مرة، وهذا بإعترف مسؤولين رسميين، كما أن سياسة الاقصاء لصالح بعض المتنفذين كانت وما زالت قائمة، ولذلك لابد من تغييرهذه السياسة التي "تستدعي تفكيرا جديدا ونخبة متجددة " كما يقول معالي الصديق والزميل الاستاذ محمد داوودية ، مضيفا "ومن مصطلح النزاهة تتناسل جملة من المصطلحات والقيم كالمساواة والعدالة الاجتماعية " واعتقد جازما أن معالي الاستاذ داوودية أصاب كبد الحقيقة، ووضع أصبعه على الفالق الزلزالي الذي يفجر الهزات الاجتماعية والسياسية من حين الى أخر، لذلك نؤكد انه لا بد من إحداث تغيير يشعرمعه الشعب ببداية تغير جدي ينعكس عليه إيجابا وبشكل مباشر،وما دون ذلك فمشاعر الغضب وعدم الثقة بمؤسسات الدولة ستتصاعد ولن تشفع لها أو تحميها الاساليب المتبعة حاليا.
اليوم ندرك أن الاصوات الغاضبة لا تريد "كلشيهات" وشعارات،بل ما يريدونه خطوات عملية تؤدي طرح الحلول التي تنقذ البلاد من أزماتها ،كما تريد أن ترى الفاسدين يعاقبون بإستخدام سياسة العصا ضد كبارهم مرة واحدة عقابا لهم على كل تجاوزاتهم وممارساتهم لا أن تستمر سياسة التعامل معهم من خلال قفازات الحرير.
إن خروجُ الاردن مِن أزْمتِه لا يكونُ بتغييرِ طريقةِ العمل فحسْب بل بالعملِ بصِدقٍ ووفاءٍ لاسترجاعِ مالِ الدولةِ المنهوب وسدِّ مزاريبِ الهدر وإقفالِ بابِ المؤسساتِ أمامَ التنفيعات وتعيينِ المسؤولين بكفاءاتِهم لا بواسطةِ هذا المتنفذ او بواسطة هذه الجهة او تلك،أو من خلال " ماكنة تصنيع النخب وتخليق القيادات والشخصيات الهزيلة " كما يقول أيضا معالي الاستاذ محمد داوودية
إن تسديدُ الخُطى للنهوضِ بالبلاد وأزَماتِها لا يكونُ بالتسبيحِ بحَمدِ المسؤولين وبما انجزوه من واجب تحتمه الوظيفة ، فالأوطانُ لا تُبنى بالدعاءِ لهذا المسؤول أو ذاك، وإدارة الدولة والمؤسسات فيها لا تقومُ بالتراضي في الصفَقات، سواء كانت هذه الصفقات في مجال التعيين أو في مجال التشاركية المجتمعية في الاستفادة من مكتسبات التنمية، وهذا ليس إنشاء أو ترف فكري .