تدفُق حمم بركان المشاعر الوطنيه لدى الشعب الاردني بكل مكوناته الاجتماعيه ، من جميع المدن والقرى والبوادي والمخيمات، تجاه شقيقه التوأم الفلسطيني القابض على جمر التحرر من النهر الى البحر، ضد قوى الظلام، والاستبداد ، والفصل العنصري المتمثل بالكيان الصهيوني المدعوم من أعداء الأمتين العربية، والإسلامية لم يكن الأول ولن يكون الأخير ولم يكن إستثناء عبر المائة عام الماضيه، ولكن سرعة تناقل الأخبار والأحداث من خلال وسائل التواصل الإجتماعي، التي لم تكن موجوده في الماضي البعيد، ولم تكن بهذا التطور قبل بضع سنوات قامت بهذه المهمه النبيله على أكمل وجه، وأظهرت الجانب المشرق من هذه العلاقه الأخويه المتميزة والمتفرده على مستوى العالم، وانصفت تلك الكاريزما والجينات المتوارثة لتوأم سيامي فشلت كل محاولات فصلهما. ولم يعد هناك مجال للإعلام الموجه على طريقة البروباغندا في التأثير على تشكيل رأي عام معاكس، لأن كل مواطن أصبح عبر هاتفه الجوال مؤسسه إعلامية متنقلة يُنتج ، ويُعد، ويُصور، ويُخرج، ويبث بطرفة عين بلا رقابة تُكمم الأفواه وتحرف الحقيقه.
لفهم سر كيمياء الأنحياز العاطفي، والفزعه التلقائيه المبنية على الفطره عدا عن الوازع الديني والعروبي ، علينا أن ندرك أن نهر الاردن على امتداد جريانه وإنسيابية رمال وادي عربة الممتده حتى مياه خليج العقبه، لم يقويا على أن يكونا حاجزاً طبيعي يمنع السكان من الحضر والريف والبادية قبل سايكس بيكو من التحرك والتنقل شرقاً وغرباً حسب مقتضيات ظروف حياتهم اليوميه، والموسميه للعمل أو الإقامة، والسكن بشكل مؤقت أو دائم، ومن الطبيعي أن تجد نفس القبائل والعشائر والعائلات تسكن على ضفتي نهر الأردن تربطهما أواصر القربى، والمصاهره، والعادات، والتقاليد، واللهجات، والتاريخ المُشترك، والمصير الواحد .
ومن النادر أن يجد الباحث فروق تُذكر في أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب الأردن عن أُصول وعادات وتقاليد أهل جنوب فلسطين، وكذلك الوسط، والشمال لأن الإنتقال لأي سبب شرق أو غرب كان على الأغلب أفقي على جانبي نهر الأردن. وعلى مر العصور كانت التقسيمات الإدارية للدول، والامبرطوريات المهيمنه على المنطقه تذهب في هذا الإتجاه، وتحمل أسماء المدن من كلا الضفتين، حيث لم تكن فلسطين والأردن بحدودهما الحاليه. ويكفينا أن نُدلل على أنه في العام 1868 خلال الحكم العثماني كانت جميع المدن شرقي النهر وما حولها تتبع لواء البلقاء ومركزه مدينة نابلس غربي النهر .
بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وانتصار الحلفاء، وتقاسم المنطقة العربيه شرق المتوسط بين بريطانيا، وفرنسا، ضمن إتفاقية سايكس بيكو، وما تلاها من صدور قرار لوزير الخارجية البريطاني اللورد جيمس بلفور بوعده المشئوم في العام 1917. القاضي بموجبه منح فلسطين على ضفتي النهر كوطن قومي لليهود.
إستشعر أهل شرق الأردن الخطر الذي يحيق بهم واخوانهم غربي النهر فقاموا بتنظيم المسيرات، والإعتصامات واصدروا البيانات الرافضه والمنددة 'بوعد من لا يملك لمن لا يستحق ' . الأمر الذي استدعى معه أيضاً عقد عدة مؤتمرات لتوحيد المواقف ورص الصفوف، ومناقشة مُجمل المخاطر التي تهدد وجودهم ، وكيفية التعامل معها وكان من أبرز قراراتهم المواجهه المسلحه مع قطعان المستوطنين، وحكومة الانتداب البريطاني، ودعم الأشقاء غرب النهر بالمال، والسلاح، والرجال، وعدم بيع الأراضي للوكالة اليهودية، ومطالبة حكومة الانتداب بوقف الهجرة اليهودية إلى فلسطين.
بدأت المقاومه المسلحه للمشروع الصهيوني من قبل القبائل، والعشائر، وعموم أهل شرق الأردن بناءً على قرار من مؤتمر عُقد في"قرية قم" لزعامات ومشايخ لواء عجلون. وكانت أولى ساحات المواجهه في حينه مناطق بيسان، وسمخ، وطبريا حيث استُشهد الشيخ كايد المفلح العبيدات، وعدد من رفاقه الثوار في معركة تل الثعالب شمال فلسطين بتاريخ 20 نيسان 1920. في ملحمة بطولية ضد المستوطنين اليهود المدعومين بدبابات ، وطائرات، ومدفعية القوات البريطانيه .
بعد قدوم الأمير عبدالله إلى شرق الأردن، وقيام الدولة الأردنية لم تتغير او تتبدل أدوات وأساليب اهل شرق الأردن في دعم النضال الفلسطيني، ولم تخفت جذوة الإصرار والعزيمه بمشاركتهم مقاومة المستوطنين، وحكومة الانتداب لحظة واحدة، وبكل الإمكانيات المتاحه كدعمهم بالمال، والسلاح، وإيواء المطلوبين منهم لسلطات الانتداب، ومُداواة الجرحى، والمشاركة معهم في معظم الانتفاضات والثورات غربي النهر كتفاً بكتف متطوعين ضمن مجموعات مناطقيه ، أو عشائريه ، مسنودين بحركة قومية جارفه شرقي النهر حاضنتُها المدارس والمنتديات والدواوين وذاكرة شعبيه تُمجد البطولة والثوار والشهداء على ثراء فلسطين الطهور .
لا أحد يستطيع أن يُنكر الدور الكبير الذي قام به الجيش الأردني، والذي تُشكل القبائل والعشائر عاموده الفقري في الدفاع عن عروبة فلسطين والأردن حيث كانت مدنه وقراه وبواديه تتعرض لقصف يومي من العدو الصهيوني. وقد شاركت القوات المسلحه الاردنيه في كافة الحروب التي خاضتها الجيوش العربية ضد الكيان الصهيوني بدءاً من حرب 48 ولغاية حرب 73 من القرن الماضي، وكُتب التاريخ العسكري تروي البطولات التي سطرها القاده والجنود في اللطرون ، وباب الواد، وتل الرادار ، وواد التفاح، والمكبر ، والشيخ جراح، والعشرات من المعارك على أسوار القدس وكامل التُراب الفلسطيني التي ما زالت تُذكر جيلاً بعد جيل، والتي كان لها أيضاً الأثر الحاسم في الحفاظ على القدس الشرقيه بجميع مقدساتها الإسلامية والمسيحية وكافة مناطق الضفة الغربية بما يعرف حالياً بحدود الرابع من حزيران عام 67 .
قدم أهل شرق الأردن آلاف الشهداء والجرحى الذين رووا بدمائهم الزكية أرض الإسراء والمعراج، وقلّما تجد مدينه أو قريه فلسطينيه لا تزدان بشواهد قبورهم المباركة، وقلّما أيضا تجد مدينه او قريه اردنيه لم يحضى عدد من أبنائها بشرف الشهاده والقتال في سبيل الله والوطن .
وعندما أُجّبِرَ الشعب الفلسطيني على الإغتراب عن بيوتهم بفعل النكبة والنكسه كانت بيوت أشقائهم شرق النهر هي الملاذ الآمن والحضن الدافئ.
المواقف القومية والتاريخية للأردنيين تجاه شقيقهم التوائم الفلسطيني، واجب أملته عليهم روابط الدم والمصير المشترك، وعمدته رائحة الشهادة والبارود ، وكُتبت شواهده وحكاياته وأفعاله في سفر الكرامة والخلود، فطوبى للصابرين الصامدين المرابطين على كامل ارض فلسطين من النهر الى البحر، وطوبى للمرابطين على أرض الحشد والرباط، والمجد والخلود لأرواح الشهداء، وسلامٌ على شعبين يعيشان في جسدٍ واحد ويتنفسان من رئةٍ واحدة ، وقلبهما ينبض بالوحدة .
حمى الله الأردن واحة أمن واستقرار وعلى أرضه ما يستحق الحياه .
ناشط وكاتب أردني