اخبار البلد ـ فاجأنا استطلاع الرأي الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية لدرجة الصدمة، حيث أشار إلى أن الغالبية العظمى من الأردنيين لا تثق بأغلبية الناس في الأردن!
تقرير المركز علق على تلك النتيجة بالقول: "هذا مؤشر خطير على استقرار المجتمع ونذير خطرٍ لبناء سياسات اندماج اجتماعي ونمو اقتصادي وإصلاح سياسي".
الدخول في تفاصيل الاستطلاع ربما تعطينا صورة أوضح، فالإجابة عادة ما لها علاقة بصيغة السؤال، ولذلك فإن أهم شروط الأسئلة في استطلاعات الرأي هي أن تكون محايدة وغير موجهة.
لقد تم توجيه السؤال على الشكل التالي: بشكل عام، هل يمكن الثقة في أغلبية الناس أم أنه لا يمكن الثقة بهم؟
الإجابات كانت على النحو التالي: 73% قالوا إنهم لا يمكن الثقة في أغلبية الناس مقابل 25% قالوا إنه يمكن الثقة في أغلبية الناس، و3% أجابوا: لا أعرف.
السؤال المطروح لم يعرّف ما هي الثقة ولا المقصود منها، ومن المعلوم أن الباحث الذي يوجه السؤال لا يجوز له شرح السؤال أو التعليق عليه، وربما استشكل مفهوم الثقة عند بعض الناس، وربما استحضر حادثة معينة في تلك اللحظة.
ويظهر الاستطلاع أن ثقة الأردنيين محصورة في عائلاتهم، حيث أفاد 93% بأنهم يثقون بالعائلة، وأن ثقتهم بالدرجة الثانية تمتد إلى جيرانهم وإلى معارفهم. وهذا أمر مرتبط بظاهرة تعمقت في السنوات الأخيرة وهي ما يعرف بالهويات الفرعية ولجوء الناس إليها لحل مشكلاتهم بدل اللجوء إلى مؤسسات الدولة.
الاستطلاع يكشف أن علاقات الأردنيين يبدو أنها ليست متنوعة، وهو ما يتفق مع نتائج عنصر الثقة، فـ 60% من الأردنيين قيموا علاقاتهم بالآخرين بأنها "رسمية"، فيما 18% قيموها بأنها عائلية فقط، و22% فقط قيموها بأنها "عميقة". ما يعني أن حوالي أربعة أخماس الأردنيين علاقاتهم هي بين الرسمية والعائلية فقط!!
ويتجلى مسلسل غياب الثقة أكثر ما يتجلي في انعدام ثقة الأردنيين بأسعار السلع والخدمات والتنزيلات على هذه الأسعار، حيث إن الغالبية العظمى من الأردنيين لا يثقون لا بأسعار السلع ولا بالتنزيلات على أسعار السلع. ولو ذهب الاستطلاع لقياس ثقة الأردنيين بالحرفيين والمهنيين لكانت كارثة أخرى.
كنا نعتقد أن هناك غياب ثقة بين المواطنين والحكومات ومؤسساتها والمسؤولين، ليظهر لنا أن هذا ينسحب على الثقة بالمجتمع كذلك.
الاستطلاع يظهر لنا أن الأردنيين يعيشون في جزر منعزلة عن بعضهم البعض، فهل هذا دقيق؟ نتمنى أن لا يكون كذلك.