اخبار البلد ـ أكدت زيارة بلينكن لمنطقة الشرق الأوسط لغاية الآن جانباً رئيسياً من عدة جوانب، أهمها إعادة القوة والتوازن في مواجهة الاختراق الاستراتيجي الصيني للمنطقة، وتطلعها لمستقبل أكثر تأثيراً اعتلت به سلم القوة العالمية وملء الفراغات، فلهذه الزيارة أهداف ومنها عودة العلاقات الأميركية مع السلطة الفلسطينية وبحث ملف السلام، والحل السياسي لقضية فلسطين، والجانب الآخر دعم الحل السياسي لليبيا، فهل هذه الزيارة تؤسس لانطلاق عملية سلام واسعة بالمنطقة، وعودة الاستقرار بقيادة أميركا للدول التي تعج بها الفوضى؟
قد تكون دبلوماسية أميركا مدخلاً للتعامل مع السياسة الخارجية بوسائل مختلفة لعودة هيمنة الدور الأميركي على أي دور منافس للقوى العظمى بالمنطقة، لكي تبقى محتفظة بهذه المكانة التي تتمتع بها عادة، لكن الصين هي الأخرى تريد أن تصبح لاعباً دولياً في السياسة، من خلال تقديم نفسها وسيطاً في صراع إسرائيل مع الفلسطينيين، وتبحث عن دور جديد في قضايا الشرق الأوسط، وقد عرضت الصين خدماتها في التسوية، وهذا الدور جديد على بكين في صراعات الشرق الأوسط، وبالمقابل روسيا ترعى رسمياً الانتخابات السورية بعدما أرسل المجلس الفيدرالي الروسي وفداً من المراقبين للانتخابات الرئاسية السورية، برئاسة السيناتور سيرغي موراتوف.
إذن ربما لا يوجد ما يدعو للدهشة أو التساؤل في عودة أميركا لتكون عراباً سياسياً للشرق الأوسط، وتفتح فصلاً جديداً لفهم كل تفاصيل مستجدات عملية السلام، خصوصاً أن تحركها يأتي بعد أحداث حرب خاطفة شنتها إسرائيل على غزة، وتتزامن أيضاً مع مفاوضات الملف النووي الإيراني في فيينا عاصمة النمسا، وأيضاً دعم التوصل إلى حل سياسي باليمن، والوقوف ضد انتهاك سيادة العراق من قبل إيران وأذرعها من الميليشيات المسلحة التي تضر بالعراق والعراقيين، بداية من دعم حملات اعتقال قام بها العراق لقيادات في «الحشد الشعبي»، وتأييد بعض القوى الشيعية الرئيسية للكاظمي باستعادة aهيبة الدولة، والتي تعني بالضرورة تحجيم دور إيران في العراق، وما تبعها من أحداث متسارعة شهدها العراق على مدار عدة أيام، أبرزها تجدّد الاحتجاجات الشعبية وسط العاصمة بغداد، واعتقال قائد عمليات الحشد الشعبي في الأنبار قاسم مصلح، تبعه انتشار مسلح لعناصر الحشد بمحيط المنطقة الخضراء وسط بغداد، رد عليه الجيش العراقي بنشر دبابات ومدرعات لتأمين العاصمة العراقية.
فهل ما نراه هو العودة للمكانة القديمة للولايات المتحدة في المنطقة وحسم النتائج بشكل قاطع؟ وهذا لا يجعل السؤال بلا معنى أو يحتمل إجابة اعتباطية. بل على العكس من ذلك، من الممكن الإجابة عن هذا السؤال ليكون مساراً بديلاً للواقع بالتفصيل وبثقة كبيرة، بناء على فهم عميق للأحداث التاريخية والشخصيات المؤثرة سياسياً، حيث يبدو مفهوماً لتلك التحركات السريعة لإدارة بايدن أنها تستعد لكل ما يعارض طموحها السياسي والاقتصادي بأن تعود إلى نفسها لتكون قائدة للعالم.
هذا التحرك لوزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن يرقى إلى مستوى خطورة الأحداث، ومحاولات لمنح الأصوات الداخلية المؤيدة لعودة أميركا لتمسك بزمام الأمور الدولية من جديد، لتكون أكثر قبولاً، وخاصة بعد تباين ردود الأفعال ما بين المرحبة أو المشككة في جولة الوزير في المنطقة لتثبيت وقف إطلاق النار في الأراضي الفلسطينية، ويصح الأمر نفسه بالنسبة للصين وروسيا إذا كانتا تستحقان التأييد بما تشاركان به.
إن جزءاً كبيراً من الحقائق تغيرت فيه الأدوات وهيمنت على الأحداث والصراعات الفوضى في منطقة الشرق الأوسط، فالغرب لا يستطيع أن يعيش بلا خصم يغير من خلاله التخطيط الإقليمي، ويرسم حدوداً لكل تصوراته التي تقع معظمها تحت مسميات كثيرة منها الديمقراطية وحقوق الإنسان، والحرب على الإرهاب وضرب كل أعداء الولايات المتحدة، فقد أصبحت الأحداث تتفاقم إلى مرحلة قد تفقد السيطرة عليها، وتنذر بمزيد من الحروب المدمرة، لذلك قد تكون عودة إدارة بايدن لتكون قائداً في معالجة قضايا المنطقة اعترافاً ضمنياً بالخطأ الذي ارتكبته الإدارات السابقة بمساهمتها في حالة الفوضى التي يعيشها الشرق الأوسط، ومحاولة لاستعادة الاستقرار له.