تقرير البنك الدولي الذي صدر مؤخرا، وأشار فيه الى ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب في الأردن الى مستويات غير مسبوقة لا يحمل جديدا، فهي صدرت عن دائرة الإحصاءات العامة في شهر آذار/مارس الماضي.
لا نضيف جديدا عندما نؤكد أن الديناميات التي أدت الى ارتفاع معدلات البطالة في الأردن الى هذه المستويات، متجذرة في بنى النموذج التنموي المشوه المعمول به في الأردن، وليس نتيجة لجائحة كورونا، الجائحة فاقمت المشكلة فقط.
جملة من السياسات التي تبنتها الحكومات الأردنية المتعاقبة خلال العقود الماضية ساهمت بشكل فعال في تفاقم هذه المشكلة، والتي تعد خلاصة ونتيجة طبيعية لمجمل هذه السياسات.
من غير المتوقع أن تنخفض معدلات البطالة بشكل عام والتي بلغت 24.7 بالمائة في نهاية العام 2021، وبين فئة الشباب ما بين 16 و 24 عاما – من غير الجالسين على مقاعد الدراسة- والتي تتراوح ما بين 48 و 62 بالمائة، طالما بقيت السياسات الحكومية تدور في ذات الحلقة المفرغة من السياسات المجربة وغير الفعالة.
استمرار العمل بسياسات تشغيل غير فعالة، سيعمق مشكلة البطالة، حيث برامج ومعارض التشغيل التي اعتمدت على ربط طالبي الوظائف مع المشغلين في القطاع الخاص، ثم برنامج خدمة وطن، وبرامج التدريب المختلفة غير المرتبطة بالتشغيل، والتفكير ببرامج استعراضية مخالفة لمعايير العمل المتعارف عليها دوليا مثل برنامج "خدمة العلم” الذي أعلنت عنه الحكومة السابقة وتم وقف العمل به بعد أسابيع من اعلانه.
مطلوب استهداف المحاور الأكثر تأثيرا في تخفيض معدلات البطالة، والتي تتمثل في تحفيز الاقتصاد الوطني من خلال تعزيز الطلب المحلي على الاستهلاك، وهذا لن يتم دون أجراء تخفيضات ملموسة على معدلات الضرائب غير المباشرة – الضريبة العامة على المبيعات والضرائب الخاصة والرسوم الجمركية – وتخفيض اشتراكات الضمان الاجتماعي.
ومطلوب أيضا تحسين شروط العمل بشكل ملموس، من خلال احترام معايير العمل الأردنية الواردة في قانوني العمل والضمان الاجتماعي وشمول جميع العاملين في الأردن في مظلتهما، وضمان أجور وحمايات جيدة للعاملين والعاملات في هذه القطاعات، لن يقبل الأردنيون والاردنيات على العمل في القطاعات والأنشطة الاقتصادية التي يعزفون عنها في الوقت الراهن حتى لو أخضعناهم لبرامج تدريب مكثفة.
كذلك مطلوب إعادة النظر بالسياسات التي شوهت منظومة التعليم ما بعد الأساسي وما بعد الثانوي خلال العقود الماضية، حيث أصبح هرم التعليم "مقلوبا”، على خلاف غالبية دول العالم المتقدم، اذ إن غالبية الطلبة لدينا يكملون تعليمهم في الجامعات ويدرسون تخصصات لا يتوفر لها فرص عمل، والقليل من الطلبة يلتحقون بمعاهد التدريب المهني والمتوسط والتقني.
لا يمكن مواجهة تحدي البطالة ونحن نتوسع في التعليم الجامعي ونشجع الطلبة على الالتحاق بها، بعكس ما جاء في الاستراتيجية الوطنية للتشغيل والاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية التي أكدت على ضرورة التوسع في التعليم والتدريب المهني والمتوسط، يأتي هذا وموازنة مؤسسة التدريب المهني لم تزد منذ ما يقارب عشر سنوات.
الارتفاع غير المسبوق في معدل البطالة في الأردن وصل الى مستويات لا تستطيع الدولة أن تتحمله، وسينتج عنه مخاطر اجتماعية وسياسية كبيرة، وهذا يتطلب التعامل معها بمنظور غير تقليدي، وعلى الحكومة الالتفات الى الأسباب الجوهرية التي أدت الى زيادة معدلات البطالة الى هذه المستويات.