اخبار البلد ـ يصر رئيس حكومة الاحتلال مهدداً قادة المقاومة في غزة بأن "المعركة” لم تنته بعد وأنهم قادرون على الوصول إليهم؛ أما صاحب نظرية الردع العسكري على المدى الطويل بيني غانتس ووزير الأمن وافيف كوخافي رئيس الأركان اللذان اعتادا التأكيد بأن أي مواجهة قادمة مع الفلسطينيين وخصوصا مع فصائل المقاومة في غزة ستكون نتيجتها الانتصار الحاسم يغيبان تماما عن الظهور.
الوقائع على الأرض تقول إن كل هذا يدخل في إطار الحرب النفسية وبغية تقليل الخسائر مستقبلياً وتحسين الشروط السياسية وإيجاد مخرج ملائم؛ حكومة الاحتلال حائرة بين خيارين احلاهما مر؛ إن وافقت على وقف إطلاق النار تكون أقرت لفصائل المقاومة بالانتصار على ما يترك ذلك من مفاعيل على مجمل الساحة الفلسطينية أو الذهاب لخيار استمرار العدوان الذي سيرفع حجم خسائرها بينما هي تبحث عن أي صورة انتصار يبدو أنها ابتعدت كثيراً.
من يتابع ما ينشر في الصحافة العبرية خلال الأيام الأخيرة وآخرها ما نشر في "هارتس” يلحظ بأن العديد من القادة العسكريين يطالبون بإنهاء العملية العسكرية ووقف إطلاق النار لأن بنك الأهداف انتهى والذهاب في غير هذا الاتجاه يعني اتساع دائرة الصراع مما يجعل الهجوم البري خيارا مطروحاً على ما يحمل من مخاطرة كبيرة ستؤدي لخسائر بشرية ووقوع أسرى في صفوف الاحتلال.
الولايات المتحدة الاميركية أفشلت للمرة الثالثة صدور بيان من مجلس الأمن حول العدوان على قطاع غزة؛ يمكن فهم ذلك في إطار الرغبة بإعطاء مزيد من الوقت لحكومة بنيامين نتنياهو لإعادة هيبتها التي سقطت بفعل انتفاضة المقدسيين في القدس وقدرة الردع الصاروخي التي احدثتها المقاومة الفلسطينية واستطاعت الوصول الى عمق الأراضي الفلسطينية المحتلة بالرغم من القدرة العسكرية الإسرائيلية بما فيها القبة الحديدية التي أخفقت في حماية تل ابيب.
ليس من المتوقع أن يستمر الضوء الأخضر الأميركي طويلاً؛ من المتوقع أن يكثف الاحتلال عدوانه بشكل سريع على أمل إحداث مزيد من التدمير للقدرة العسكرية وللبنية التحتية وايقاع مزيد من الشهداء في صفوف الفلسطينيين شعباً ومقاومين، ثم يبدأ الحديث عن مخرج سياسي يفرضه الصمود الفلسطيني في القدس وغزة والقدرة على تحقيق مزيد من الاهداف يحتاجه بنيامين نتنياهو الغارق في مأزق تشكيل الحكومة بعد أربعة انتخابات خلال اقل من عامين بالإضافة لملفات الفساد التي تنتظره.
بعد انتفاضة المقدسيين دفاعاً عن المسجد الأقصى وتضامناً مع أهل منطقة الشيخ جراح وانخراط فصائل قطاع غزة، تجد إسرائيل نفسها امام سؤال القلق الوجودي؛ صحيح أنها تملك قدرات وترسانة عسكرية هي الأقوى في المنطقة وبدعم أميركي بلا حدود وقادرة على إحداث خسائر بشرية ومادية بهمجية ولكنها تدرك وهي تخوض عدوانها الرابع على قطاع غزة انها فشلت في انهاء إرادة الشعب الفلسطيني ومقاومته رغم القتل والدمار والحصار.
يدرك الاحتلال أن مقاييس النصر في صراعه مع الفلسطينيين غير محكومة بالانتصارات العسكرية بشكلها التقليدي؛ لقد نجح الحراك المقدسي الذي امتد ليشمل فلسطينيي 1948 في إثبات أن الديمغرافيا الفلسطينية والاجيال الشابة التي ولدت بعد أكثر من خمسين عاما من الاحتلال والتي راهن بن غورين على انها ستنسى هي اليوم تواجهه وتخوض معركة هزيمة الاحتلال.
ما بعد انتفاضة الأقصى والعدوان على غزة ليس كما قبلهما وتبدو اليوم الفرصة أكبر من أي وقت مضى في انجاز تسوية تضمن قيام دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشرقية سيفرضها الشعب الفلسطيني بتضحياته وصبره وصموده.