اخبار البلد ـ يناقش مجلس النواب هذه الأيام مجموعة من التعديلات المقترحة على قانون ديوان المحاسبة، حيث تقرر منح رئيس الديوان حصانة من التوقيف والملاحقة عن الجرائم الناشئة عن تأدية وظيفته ما لم يصدر قرار عن مجلس النواب برفع الحصانة عنه، وذلك باستثناء حالات التلبس بالجرم حيث يجب إعلام مجلس النواب في حال القبض عليه متلبسا.
تكمن أهمية ديوان المحاسبة في الدور الذي يقوم به والمتمثل في الرقابة على واردات الدولة ونفقاتها، والتدقيق على الأموال العامة للتأكد من سلامة انفاقها، وتقديم المشورة في المجالات المحاسبية للجهات الخاضعة لرقابة الديوان. وهذا ما دعا المشرع الدستوري إلى النص على إنشائه في الدستور، وأن يفرض على القانون تقرير حصانة خاصة لرئيسه، وذلك ضمانة لاستقلاليته.
إن تقرير الحق لمجلس النواب في التصويت على رفع الحصانة عن رئيس ديوان المحاسبة يتوافق مع الموقف التشريعي الذي تبناه المشرع الأردني منذ إصدار قانون الديوان لأول مرة في عام 1952. فقد نص القانون عند صدوره على أن يتولى إدارة ديوان المحاسبة رئيس يعين بإرادة ملكية بناء على تنسيب مجلس الوزراء، على أن يبلغ هذا التعيين إلى مجلس النواب، ولا يجوز عزله أو نقله أو إحالته على التقاعد أو فرض عقوبات مسلكية عليه إلا بموافقة مجلس النواب.
وقد جرى تعديل هذا النص في عام 1959 بأن عالج المشرع حالة غياب مجلس النواب، فاشترط موافقة جلالة الملك على عزل الرئيس أو نقله أو إحالته إلى التقاعد إذا كان المجلس غير مجتمع، شريطة أن يقوم رئيس الوزراء بإبلاغ المجلس عند اجتماعه بما اتخذ من الاجراءات مشفوعة بالايضاح اللازم.
إن التعديل التشريعي الأخير القائم على التوسع في الحصانة الجزائية لرئيس ديوان المحاسبة وعدم جواز ملاحقته عن الجرائم الناتجة عن تأدية وظيفته ما لم يقرر مجلس النواب خلاف ذلك، يجعل من الضرورة بمكان مراجعة الصلاحيات الوظيفية التي يملكها مجلس الوزراء في مواجهته. فلا يعقل أن يتم تحصين الرئيس من المثول أمام القضاء إلا بإذن مجلس النواب، ويبقى في الوقت ذاته مهددا بالعزل أو النقل أو الإحالة على التقاعد أو حتى فرض عقوبات مسلكية عليه بقرار من مجلس الوزراء.
ولا يغير في حقيقة الأمر أن القانون قد اشترط لصدور هذه القرارات الوظيفية موافقة مجلس النواب أو حتى جلالة الملك في حال غياب المجلس. فهذه الصلاحيات الإدارية للسلطة التنفيذية في مواجهة رئيس ديوان المحاسبة تتعارض مع مبدأ الاستقلالية الذي يحاول المشرع تكريسه في مشروع القانون المعدل.
إن باقي القوانين الناظمة للمؤسسات والهيئات الرسمية والقضائية قد حظرت بنصوص صريحة أياً من هذه الصلاحيات الوظيفية لمجلس الوزراء على القائمين على إدارتها طيلة فترة الخدمة. فقانون النزاهة ومكافحة الفساد على سبيل المثال ينص في المادة (7/د) منه على عدم جواز إحالة الرئيس أو أي عضو من أعضاء المجلس على التقاعد أو إنهاء خدماته قبل انتهاء مدة العضوية المنصوص عليها في القانون.
إن هناك حاجة ماسة إلى مراجعة السلطات الوظيفية المقررة لمجلس الوزراء على رئيس ديوان المحاسبة وعدم الاعتداد بشرط الموافقة على اتخاذ أي من هذه الإجراءات، وذلك كضمانة إضافية على استقلالية الديوان ورئيسه.