ماذا يبقى لدينا غير تكرار حكاية "ذيل الحمار والجِمال" منذ ساقها أحد البدو متفكّهاً ليفسّر معطيات واقعة، رامزاً "ذيل الحمار" للحاكم الروميّ الذي يسحب وراءه عشرات "الجِمال" رجال البادية، الذين سلّموه أمرهم وانقادوا وراء ذيله طائعين مُسلّمين!
ماذا يبقى، وفكاهة التكرار توصلنا إلى المفارقة!
وكيف سنخرج من لؤم النظريات التي تقرّ أن التاريخ يعيد نفسه ولو بكيفية أُخرى؟!
ماذا يبقى، والضاد العربية تتسع لكل التبريرات والمنافذ؟ وكيف سيعتقنا علم النَفْس ويطفئ نار بيعنا وتهاوننا بالجوع والتعب والبلاد؟ والنَفْس الانسانية تهبط كُلّما ارتفع الخطاب والكُرسيّ والصولجان؟ وهل المطلوب أن نشارف على حَدّ العبثيّة؟ أم الصمت؟ أم التغيير الفرديّ العاجز؟
أكلما ارتفع شأن أحدنا قلّ جموحه وذابت حماسته؟ أم أنّ في صوت بعضنا الفقير خيطاً من ضوءٍ لم نلمحه في غمرة البرق، التي يريدون لها أن تكون طائشة عابرة؟!
.. لعله لم يبق غير الرجوع إلى أول الطريق وبداية السرّ الواعي، وإلاّ فإن أحداً لن يفهم الآخر الوطنيّ، وسيظل الناس يذهبون إلى الأسواق والبيوت والمناسبات مثلما يبكون ساعة الولادة أو السفر ، ببساطة وسطحية وشرود أبيض.
.. وإذا بقي شيء؛ فلم يبق إلاّ أن أقول إنني أستذكر وأُذكّر.. فالمدينة تبدو بلا رجال، أو أن المجاميع التي تتصادم أكتافُها قد ارتضوا أن تكون هجرتهم لغير الله والوطن، وأنّ الأقليم قد مدّ خيوطَه وأحكم الحِبال.. وبات المشهد مليئاً بالضوضاء والتلوّث، ويشبه مسرح العرائس أو الدُّمى التي يُحرّكها أحدهم من "فوق"... والقدس وحيدة تبكي.