اخبار البلد ـ على أثر المصالحة الخليجية العربية في قمة العلا الأخيرة، قيل إن دول الرباعية ستتقاطر على تركيا حرصاً على تحسين العلاقات معها، لكن ما حدث هو العكس، إذ هاهي تركيا تطرق أبواب مصر «بلا شروط»، وذلك بعد تصريحات تركيا على مستوى الرئيس، ووزير الخارجية، وردت عليها مصر عبر تصريحات لمصدر رسمي لم تسمه، مشترطة أن تتوقف تركيا عن «التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة» إذا أرادت علاقات طبيعية. ونقلت وكالة أنباء الشرق الأوسط المصرية عن المصدر الرسمي قوله إن مصر تتوقع من أي دولة تتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية معها «أن تلتزم قواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار وأن تكف عن محاولات التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة».
حسناً، يمكن القول الآن إن تركيا إردوغان بدأت محاولة النزول من الشجرة، خصوصاً أن أنقرة تبعث برسائل أخرى تجاه السعودية، والإمارات، وذلك بعد سنوات من حفلات التخوين والتأجيج.
والسؤال هنا ليس سؤال مشاعر، فليس في السياسة عواطف، وإنما السؤال هو هل ستقوم تركيا فعلياً باحترام القوانين الدولية، ومبادئ حسن الجوار، وتتوقف عن التدخل في شؤون دول المنطقة؟
هل لدى تركيا الاستعداد للتوقف عن التدخل في ليبيا، والكف عن إرسال المرتزقة هناك، بل وضمان إجلائهم من ليبيا؟ هل لدى الأتراك استعداد حقيقي للتوقف عن دعم شبكات «الإخوان المسلمين»، وفي المجالات كافة؟
وهل لدى الأتراك الاستعداد لعدم التدخل السلبي في الملف اليمني، ودعم أطراف على حساب مصلحة اليمن، ولو إعلامياً؟ وهل لدى الأتراك استعداد للتوقف عن دعم إيران وعلى حساب أمن المنطقة؟ خصوصاً أن الرئيس التركي صرح مؤخراً داعماً عملية رفع بعض العقوبات عن إيران، على اعتبار أن من شأن ذلك إنعاش الاقتصاد، كأن قضايا المنطقة المصيرية مجرد سلع، وسوق ربح وخسارة.
بالطبع فإن أحداً لا يريد التشرذم، والقطيعة في المنطقة، لكن لا ينبغي التساهل مع الأتراك هكذا، ومن باب حسن النية فقط، فالطريق إلى جهنم معبّدة بالنيات الحسنة. صحيح أن لا فائدة من التصعيد، لكن لا فائدة أيضاً من مجاملات كلفت منطقتنا أمنها واقتصادها.
ولذا فلا بد أن تكون عملية تقييم العلاقات مع تركيا خاضعة لمسطرة تقويم واضحة، وقائمة على مصالح حقيقية لا مجاملة فيها، خصوصاً أن الطرف التركي لم يعد لمصر، ويغازل السعودية والإمارات، وحتى فرنسا، نتيجة عقلانية سياسية.
الحقيقة أن تركيا لمست أنها في طريق مسدودة مع إدارة أميركية جديدة ليست من أولوياتها مراعاة مشاعر أنقرة، أو تدليلها، وإنما الوقوف أمام التصعيد التركي الداخلي، والخارجي، وما يهم منطقتنا هو التصعيد الخارجي؛ حيث إن تركيا لا تتمدد ببضائعها، أو مشاريعها الاقتصادية بالمنطقة، بل إنها تتمدد عسكرياً في العراق، وسوريا، وليبيا، وتريد اختراق دول المنطقة عبر الإسلام السياسي المخرب لمنطقتنا، من «الإخوان المسلمين» ومن هم على شاكلتهم.
وعليه فإن أحداً لا يريد التصعيد، وليس ذلك من مصلحة المنطقة، لكن ليس من مصلحة المنطقة أيضاً المجاملات المكلفة، خصوصاً وقد جُرب إردوغان مراراً.