اخبار البلد - ربما أنني قد تذكرت رفضي المبكر لتعدد الفصائل الفلسطينية لمتابعتي مسلسل «التغريبة» الذي بثّه والذي بقي يبثه بحلقات متلاحقة تلفزيون «mbc»، وكان هذا الرفض بفترة مبكرة تعود لما بعد حرب يونيو (حزيران) 1967، وحيث كانت حركة «فتح» قد انطلقت في 1 يناير (كانون الثاني) 1965، وهذا كان قبل ازدحام المشهد النضالي الفلسطيني بكثير من التنظيمات المسلحة التي كانت قد شكّلت، ولا تزال، عبئاً ثقيلاً على النضال والشعب الفلسطيني منذ البدايات وحتى الآن، حتى بعدما تم الإعلان عن وقف الكفاح المسلح والتركيز على كل المواجهة السياسية مع إسرائيل رغم أنها لا تزال تحتل الضفة الغربية والقدس الشرقية حيث المسجد الأقصى وقبة الصخرة المشرفة وكنيسة القيامة.
كان في البدايات؛ أي بعد احتلال عام 1967، محتملاً ومقبولاً أن تكون هناك تنظيمات فلسطينية و«عربية» مسلحة إلى جانب «حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح)» التي كان جناحها العسكري يحمل اسم: «قوات العاصفة». وحقيقة؛ فإن هذه التنظيمات قد شكلت عبئاً ثقيلاً، ولا تزال، على العمل الوطني الفلسطيني، خصوصاً في تلك الفترة المبكرة حيث كان الصراع في ذروته بين دول الثورات والانقلابات العسكرية، خصوصاً سوريا والعراق وأيضاً مصر قبل أن تتخلى عن منظمة «سيناء العربية» التي كانت تشكلت بعد حرب يونيو 1967 قوةً مساندة للقوات المصرية المسلحة.
لقد بادر «حزب البعث» من خلال النظام السوري لإنشاء طلائع حرب التحرير الشعبية.... «قوات الصاعقة» بعدما ظهرت «فتح» بكل قوتها الكاسحة بالساحة الفلسطينية وأساساً بالضفة الغربية قبل احتلالها في يونيو 1967، ثم ظهرت بعد ذلك «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» بقيادة الدكتور جورج حبش بديلاً لـ«حركة القوميين العرب» التي ما لبثت أن انشقت وخرجت منها «الجبهة الديمقراطية» بقيادة نايف حواتمة، ثم ما لبث الضابط في «جيش التحرير الفلسطيني» أحمد جبريل أن انشق أيضاً بمجموعته عن هذه «الجبهة الشعبية» وأصبح له تنظيمه الخاص الذي كان ولا يزال يحمل اسم «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين - القيادة العامة»، والمعروف أنه كان لحزب البعث (العراقي) تنظيمه الفلسطيني الخاص باسم «جبهة التحرير العربية»، وهذا بالإضافة إلى عدد من التنظيمات الصغيرة التي كانت ظهرت في سوريا؛ تحديداً كانشقاقات ببعض تنظيمات الساحة الفلسطينية.
ثم؛ وفوق كل هذا الاحتشاد التنظيمي بالساحة الفلسطينية، ما لبثت أن ظهرت «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» التابعة للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين»، عام 1987 بقيادة الشيخ الشهيد أحمد ياسين، حيث إن جناحها العسكري قد أخذ اسم «كتائب عز الدين القسام» واسمه الكامل محمد عز الدين بن عبد القادر القسام، وكان قد استشهد في 20 نوفمبر (تشرين الثاني) 1935 بمعركة في بلدة يعبد التابعة إدارياً لمدينة جنين ودفن في «خربة» نزلة زيد التابعة لهذه المدينة الفلسطينية.
والمهم أنه مع عودة ياسر عرفات (أبو عمار) لفلسطين... أي للضفة الغربية؛ وتحديداً لمدينة رام الله، وعودة محمود عباس (أبو مازن) ومعظم قادة حركة «فتح» وكبار المسؤولين في منظمة التحرير، قد عادت تنظيمات معظمها وهمية واسمية... وحقيقة باستثناء «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الديمقراطية»، وهذا بقي يشكل عبئاً على الحالة الفلسطينية؛ نظراً لارتباط كل هذه التنظيمات الوهمية والاسمية ببعض الأنظمة العربية وغير العربية.
وهنا؛ فإن أكبر تحوّل في الوضع الفلسطيني، وهذا إنْ لم تعد الأمور إلى ما كانت عليه، هو أن «حماس» قد أعلنت عن أنها قد تخلت عن الكفاح المسلح وأنها ستدخل دائرة العملية السياسية السلمية، لكن إن لم يتحقق أي شيء في هذا المجال؛ فإن هذه الحركة، أي «حركة المقاومة الإسلامية»، قد نفت تخليها عن المقاومة المسلحة وأنها قد نفت أيضاً، بلسان أحد قيادييها الكبار الذي هو صلاح البردويل، أن مصر قد طلبت منها التخلي عن العمليات المسلحة، وأن موقع «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلي قد زعم أن القيادة المصرية طلبت بالفعل مثل هذا الطلب كي تحظى بقبول المجتمع الدولي في هذه المرحلة الخطيرة بالنسبة للقضية الفلسطينية.
ولعل ما هو أكثر من هذا كله هو أن وكالة «صفا» الفلسطينية التابعة لحركة «حماس» قد نقلت عن صلاح البردويل قوله إن كل هذا الذي يتردد «لم يحدث»، وإن هذه المزاعم مجرد تلفيق يضاف للفبركات السابقة، مما يعني أن كل التقديرات التي كانت قد قالت إن حركة «حماس» ستبقى «حماس» كانت صحيحة كل الصحة، وأن كل ما جرى ترويجه عن تحوّل هذه «الحركة الإخوانية» عن سياساتها ومواقفها المتشددة المعروفة، هو مجرد كلام في كلام، وأن القرار في هذا المجال هو للتنظيم العالمي لـ«الإخوان المسلمين» الذي هو معروفة ارتباطاته التنظيمية والسياسية بدولة الولي الفقيه في إيران وبالرئيس التركي رجب طيب إردوغان الذي يتردد أنه قد أصبح المرشد الأعلى «الإخواني»، وهذا أغلب الظن أنه غير صحيح؛ إذ إن المرشد الحقيقي قد تم نقله من مصر إلى بريطانيا، وهو الآن إبراهيم منير الذي تسلم منصب القائم بأعمال المرشد العام من لندن، وعلى اعتبار أن البريطانيين هم من «اخترع» هذا التنظيم ليكون رديفاً وداعماً لهم خلال سيطرتهم على أرض الكنانة وعلى غيرها من الدول العربية والإسلامية.
وهذا يعني أن عودة «حماس» عن تناغمها... لا بل عن قبولها بحل الدولتين؛ دولة فلسطينية على حدود عام 1967 مقابل اعتراف الفلسطينيين بدولة إسرائيل على حدود 1967 أيضاً، ستربك حركة «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية، وستشكل حجة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لمزيد من التمسك بمواقفه وسياساته الحالية برفض أي حلٍ لا ينص عملياً على بقاء الاحتلال الإسرائيلي على ما هو عليه، ويحول دون إنشاء مزيد من المستوطنات الإسرائيلية في كثير من مناطق الضفة الغربية، مما يعني، وهذا واضح وملموس، أنه على القيادة الفلسطينية ألا تبقى تراهن على إمكانية أن يتخلى هؤلاء الإسرائيليون عن سياساتهم ومواقفهم الحالية لحساب دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية مقابل اعترافهم بالدولة الإسرائيلية على حدود عام 1967 أيضاً.
ثم إنه وبالأساس لا ضرورة إطلاقاً لكل هذا الحمل «الفصائلي الثقيل» ومع استثناء «الجبهة الشعبية» و«الجبهة الديمقراطية» و«حزب الشعب (الشيوعي)» فالتعددية في هذا المجال لا يجوز أن تشمل كل هذه الفصائل الوهمية المقيمة في غزة وفي بعض مناطق الضفة الغربية وفي سوريا، فالقرار في هذا المجال يجب أن يكون فلسطينياً، وفي رام الله تحديداً، وفي حركة «فتح» ومنظمة التحرير والسلطة الوطنية... وأيضاً ولهاتين «الجبهتين»؛ إن هما تحلتا بالشجاعة الكافية ولم تلتزما القرارات التي تصل إليهما من دمشق... وأيضاً من ضاحية بيروت الجنوبية.
وهكذا؛ فربما ازداد الوضع الفلسطيني ارتباكاً بعدما تراجعت «حركة المقاومة الإسلامية (حماس)» عن تخليها عن الكفاح المسلح لحساب الكفاح السياسي، تحت ضغط «الإخوان المسلمين» وتحالفها مع إيران الخامنئية ومع تركيا رجب طيب إردوغان. وحقيقة؛ فإنه إذا استمر هذا وتواصل، فإن الحالة الفلسطينية، المعلّقة من رموش عيونها الآن، ستواجه معضلات كثيرة وستواجه ظروفاً صعبة كالظروف التي بقيت تواجهها المسيرة الفلسطينية منذ فترة سابقة باتت بعيدة، مما يعني أنه لا بد من الالتفاف حول الرئيس محمود عباس (أبو مازن) والحرص الشديد على وحدة حركة «فتح»، وأيضاً التمسك بقدر الإمكان بالجبهتين «الشعبية» و«الديمقراطية» وبـ«الحزب الشيوعي» الذي من المعروف أنه يتحلى ودائماً بالمواقف العقلانية وبعدم التطرف، وعلى ما كانت عليه بعض الفصائل «الكلامية» التي كانت ولا تزال تشكل عبئاً ثقيلاً على مسيرة الشعب الفلسطيني.