في الحالة الاردنية يشكل عمر الحكومات القصير محطات لتغيير المزاج الشعبي واحيانا احداث انعطافة في اهتمامات الرأي العام. كان هذا من تراث الماضي القريب والبعيد. اليوم, الوضع مختلف, فمنذ نهاية العام الماضي, وخلال 10 اشهر استقبل الاردنيون 3 حكومات. انتجوا خلالها الشعار الشهير »لتسقط الحكومة المقبلة« لان مزاجهم لم يتغير ولم يلمسوا اي انعطافة جدّية! .
على هذا الوضع تأتي الحكومة الجديدة, حكومة عون الخصاونة حاملة مهمات جساماً, هي المهمات نفسها التي حملتها حكومة معروف البخيت ولعل أثقل الأحمال التي ستواجهها كسب ثقة الاردنيين بأنها سائرة فعلا على طريق الانتقال الى الديمقراطية. (فالقناعة كنز لا يفنى), فاذا اقتنع الشعب بان هذه الحكومة الجديدة جادة وراغبة في الاصلاح, ومصممة على الوصول الى اهدافه (المعلنة) بكل أمانة وصدق, فان كنز سليمان سيكون بانتظارها.
الاردنيون غير مهيئين للانتظار طويلا, بل ان صبرهم على اي فرصة قد تعطى للحكومة كما في السابق اصبح محدودا جدا, فقصة ال¯ 100 يوم التي كانت تمنح للحكومات السابقة قبل الحكم على ادائها, اصبحت ايضا من الماضي لان المعادلة تغيرت.
المعادلة تغيرت لأننا نعيش ظروفا داخلية واقليمية مختلفة. فالشارع - وفي مقدمته قوى الحراك السياسي والاجتماعي - هو الذي يحتاج الى (فرصة) لكي يراجع مواقفه من الاستمرار في الاحتجاجات او توقيفها, وعلى الحكومة ان تمنحه هذه الفرصة سواء بالمبادرة في تقديم نفسها من خلال سلوكها واقوالها وافعالها بما يقنع الرأي العام بانها جادة في الاصلاح بأمانة وشفافية وصدق ونزاهة وبعدالة القاضي الشريف النزيه.
قد تنشغل الحكومة في الايام المقبلة بتلقي التهاني من الوفود والشخصيات, وأود التذكير, بأن حجم الحشود ومقدار التهاني - برسم جميع الحكومات بغض النظر عن اشخاصها - لا يعني غير القيام بالواجب الاجتماعي انطلاقا من القيم العشائرية والتقليدية في البلاد. ومن الخطأ البناء على العواطف في هذه المناسبة, فالواقع, انني لم المس ابدا, في اي وقت هذا الكم من مشاعر الاحباط ومن منسوب القلق بين صفوف الاردنيين كما لمست وسمعت في الايام والاسابيع الاخيرة, وهذا يجعل من الامانة تقديم النصيحة الى حكومة عون الخصاونة, بأن تكون صادقة مع الناس في كل سطر من برنامجها واقوالها ووعودها.
لقد شعرت بالانزعاج وانا اسمع تسريب معلومات من هنا وهناك تتحدث عن نوايا رسمية بفرض قيود على حرية الاعلام وعلى الحريات العامة بما يناقض تماما, روح رسالتي الملك الموجهتين الى عون الخصاونة ومدير المخابرات فيصل الشوبكي. ولولا معرفتي برئيس الوزراء الجديد, وبتاريخه المهني كقاضٍ عالمي كانت مهمته ارساء العدالة على مستوى القضايا الدولية لكنت قد صدّقت مثل هذه التسريبات والاقاويل.
واتساءل, اي بائس هذا الذي لا تزال افكاره تحدثه بتبني دعوات الانقضاض على الحريات العامة وفي هذه المرحلة التاريخية العميقة بتحولاتها السياسية نحو الديمقراطية في العالم العربي بأسره. ثم, اي استنتاج قصير النظر ذلك الذي يقود الى الاعتقاد ان بالامكان ردع الاردنيين عن الاهداف التي ينادون بها منذ عام 1989 وليس منذ بداية الربيع العربي فقط لرؤية اردن الحريات في ظل نظام ملكي بدستور ديمقراطي يضمن للجميع العيش في دولة القانون والعدالة من دون خوف او فساد, وباحترام كرامة المواطن وحقه في المشاركة, بادارة شؤون بلاده بارادته الحرة, بعيدا عن الترغيب والترهيب.
افتتاحية للحكومة الجديدة
أخبار البلد -