العنف في الزمن الكوروني

العنف في الزمن الكوروني
أخبار البلد -  

لا يكشف الزمن الكوروني الذي نعيشه مقدار السخرية من المرأة على المستوى العالمي فقط، بل يكشف إلى أي مدى علاقة الإنسان هشة بأنثاه، حتى في عالم الحيوان لا نجد هذه القسوة، وهذا العنف ضد المرأة

خُصصت أرقام هاتفية لنجدة النساء في أغلب الدول التي انتشر فيها الفيروس، وأجبرت فيها الشعوب على الحجر المنزلي، في ما ارتفعت حالات الطلاق بنسب عالية. في فرنسا وحدها التي تعاني من نسبة عالية من العنف ضد النساء، تصرح بأن العنف في الأسبوع الأول من الحجر المنزلي ارتفع بنسبة 30٪، فيما تتجاوز الـ 36٪ في المنطقة الباريسية، ويُتَوَقّع أن ترتفع، وطبعا هذا العنف لا يطال الشريكة أو الزوجة فقط، بل يطال الأطفال أيضا

في بلدان أوروبية عديدة دقت أجراس الخطر، كون الملاجئ المخصصة للنساء المعنفات مع أطفالهن تعاني من الاكتظاظ في الأيام العادية، فما بالك في هذه الأيام السوداء، إنّها معضلة أخرى لم تكن لا على البال ولا على الخاطر. مشكلة أخرى تضاف إلى المشاكل التي تنتظر حلا سريعا، فالنساء المعنفات بوجود «المعتدي» معهن في البيت، يتعذّر عليهن الاتصال بأرقام الطوارئ المخصصة لهن، لذا قد يبلغ تعنيفهن ذروته قبل أن يهب أحد الجيران إلى إجراء مكالمة الإنقاذ. الصين أيضا عانت من هذه المشكلة، لكن تركيزنا آنذاك كان على الفيروس الجديد الذي أحدث كارثة، وقلب حياة البشرية رأسا على عقب بعد أن فشلت كل الوسائل للسيطرة عليه. بدت مشكلة تعنيف المرأة مشكلة ثانوية، أو لنقل بلا معنى أمام الموتى، وهم يتساقطون مثل الذباب في بلاد المليار نسمة (1.4 مليار). وطبعا كان من الممكن أن نقول إن هذه المشكلة لا تعنينا، حين نتأمل حجم البكائيات الذكورية عبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي، في ادعاء باطل لقمع النساء للرجال، لولا كسر بعض النساء لحاجز الخوف، ومخاطبة العالم بأسره بحجم العنف، الذي يتعرضن له. مواطنة أردنية في مقطع فيديو لفت النظر إلى العنف الممارس على فئة من النساء من طرف عائلاتهن، (تحديدا من الأخ والأم في هذه الحالة)، ليس بسبب سلوك مشبوه، كما درجت العادة، بل لأنهن تعودن توفير مدخول معين لعائلاتهن، والآن بسبب هذه الجائحة توقف. سلب المرأة معاشها الشهري نوع آخر من الاستعباد الذي يقع على المرأة، وهو يكشف إلى أي مدى خروج المرأة للعمل لم يساعدها في بناء استقلالها الاقتصادي والتحرر من سيطرة العائلة عليها، بما في ذلك الأم، وهذا هو المؤسف

البيت الذي نراه فضاء آمنا لنا، يتحوّل إلى فضاء مليء بالأخطار، خلال فترة الحجر، ونحن هنا لا نتحدث عن الأخطار التي تتعرض لها النساء في الهند أو باكستان أو الصومال أو الكونغو أو اليمن، أو غيرها من الدول المصنفة بالأخطر على حياة النساء، بل نتحدث عن دول خارج هذه القائمة، وتعتبر دولا وضعت قوانين لحماية المرأة، ووعدت بتقليص نسبة العنف إلى ما يقارب الصفر

ما لا يمكن أن نفهمه اليوم هو أن التنمر عالميا ضد النساء هو الذي هزم الحب في مهده، وهو الذي جعل بيوت الزوجية تتحوّل إلى معامل لتفريخ العنف، قبل أن يخرج إلى الشوارع، ويكتسح المدن

في تقرير نشرته «أورونيوز» منذ سنتين، تعد أمريكا البلد الغربي الوحيد الذي تربع على المرتبة العاشرة في ما يتعلق بتعنيف النساء، ويبدو أنها تتساوى مع بلد مثل سوريا في حالات الاغتصاب والإكراه على ممارسة الجنس، وعدم الوصول للعدالة في هذه الحالة، وهو ما تسجله اليوم الجمعيات الإنسانية المهتمة بحماية المعنفات في بيوتهن، من طرف أحد أفراد العائلة، الذي في الغالب هو الزوج أو الأخ، وفي مرتبة بعيدة بعدهما يأتي تعنيف الأب. وفيما ذهبت النُّخب لتوعية الناس إلى أهمية الحجر المنزلي لتقليص انتشار الوباء، وقراءة تأثيرات فيروس كورونا إيجابيا على الكرة الأرضية، قلة قليلة من وسائل الإعلام ومنابر النخبة التفتت إلى طبيعة علاقاتنا الهشة ببعضنا بعضا، منبّهة إلى أن نسبة كبيرة من الزيجات في العالم، بُنِيت على قواعد قابلة للانكسار عند أدنى هزّة خارجية، وأنها في الغالب علاقات واهمة، أو حالات اجتماعية يرتبط فيها الرجل والمرأة بزواج موثق بشكل رسمي في الدوائر الرّسمية، لكنّه بعيد جدا في معناه العميق عن الزواج، ما دام طرف فيه يظلُّ آمنا طالما الطّرف الآخر يتجوّل خارج البيت، ونسبة كبيرة منهم تعيش في المقاهي والحانات، حتى يحين موعد النوم فيعودون لمضاجعهم

لقد اتضح أن «عش الزوجية» أو «القفص الذهبي» ليس سجنا، كما يدعي البعض، بل حلبة ملاكمة يتصارع فيها طرفان غير متساويين، أحدهما مجبر على حماية الأطفال خلال نوبة الجنون التي تصيب الزوج أو الشريك. فما الحلول المقترحة؟

يذهب البعض إلى تقديم وابل من النّصائح التي لا تغير الوضع، بقدر ما تزيد من تدهوره، ولعلّنا نعرف جيدا أن الزوجة التي تهرب إلى أهلها، وتطلب حمايتهم من عنف زوجها، تنتهي مقتولة بعد جلسة الوعظ، التي تقدم لزوجها وإجبارها على العودة لبيت الزوجية، والأرقام في هذا الموضوع مخيفة جدا، كما نعرف أيضا أن الزوجة، التي تترك زوجها مصطحبة أبناءها معها، قد تتعرّض لعنف آخر من طرف أفراد عائلتها أنفسهم، بعد أن تتحوّل إلى عبء عليهم. أما أهم ما نعرفه ونتعامل معه باستخفاف فهو أن العنف سلوك يشبه كرة الثلج، يتغذّى من نفسه، ويستحيل أن يخبو فجأة، أو ينتهي إلا بعزل المعنَّف عن المعنِف، أو موت أحدهما

في فرنسا أقبل عجوز في الواحدة والثمانين من عمره على قتل زوجته بعد خمسة أيام من إعلان الحجر المنزلي، وقد أخذت الحادثة كنكتة يقول فيها العجوز «إن الحياة مع كورونا أرحم من الحياة مع زوجته»، تناقلها جمهور «السوشيال ميديا» من باب التهكم على المرأة، بدون إدراك واعٍ ومسؤول عن حجم التّرويج لجريمة بشعة والتّشجيع عليها. نحن في الأسابيع الحاسمة التي قد تشهد ذروة في سلم الموت، والإصابات، بمعنى أن الحظر مستمر، وظاهرة العنف هذه لن تنتهي بسلام، بعد انتهاء الجائحة، لأن نتائجها وتبعاتها ستكون لها تأثيرات طويلة الأمد، وأعتقد أن موضوعا كهذا يحثنا بإلحاح على التعاطي معه بشكل علمي وجاد، ونناقشه من جوانبه الاجتماعية والثقافية والنفسية لتبادل الخبرات والنظر في علاقاتنا (الزوجية ـ العاطفية) بطريقة مختلفة. من المجحف أن ننشغل اليوم بالأوضاع الاقتصادية، والتحدث بأرقام تفوق المليارات لتقريب حجم الكارثة على الإنسان، لأن الكارثة الحقيقية اليوم، لا تتمثل في حجم الخسائر المادية، بقدر ما تتمثل في خسائرنا على المستوى الإنساني، وتورّطنا في عملية تدمير ذاتية، «إن اللاعنف هو قانون الإنسانية، على رأي غاندي، لهذا فإنّ المستقبل للمرأة، فمن يستطيع أن يجذب قلوب الرجال بشكل أكثر فعالية من النساء؟». ما لا يمكن أن نفهمه اليوم هو أن التنمر عالميا ضد النساء هو الذي هزم الحب في مهده، وهو الذي جعل بيوت الزوجية تتحوّل إلى معامل لتفريخ العنف، قبل أن يخرج إلى الشوارع، ويكتسح المدن، ويسافر من بلد إلى بلد، عبر قواعد عسكرية وحروب تنتهي بعد تحقيق الخراب بتصافح الأعداء، قبل أن تنتقل إلى بؤر أخرى

يحدث أن يكون الرجل العنيف قد عانى من طفولة عنيفة، بسبب تحرش جنسي من أحد المقربين من العائلة، يتحوّل إلى قنبلة موقوتة، قد تكون هذه المعاناة أو معاناة أخرى سببا في سلوكه العنيف لاحقا، لكن كل هذه ليست مبررات لممارسته، كما أنها ليست تبريرا لاستمرار تفشي العنف في المجتمعات على أكبر نطاق، وهو القائم على مدرسة اجتماعية بامتياز، حين يُلقَّن الطفل منذ صغره على فنونه، ويُدَرّب ويُحرّض عليه. وقد وجب التنبيه، ليأخذ أهل الاختصاص المبادرة للحد منه، لأنه من غير المنطق اليوم أن نختبئ خوفا من الموت بفيروس، ليموت بعض النساء قتلا على أيدي من أحببنهن

٭ شاعرة وإعلامية من البحرين

 
شريط الأخبار فيديو || المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم هدفاً في غور الأردن "الاقتصادي والاجتماعي": موازنة 2025 تتصدر التحديات الاقتصادية لحكومة حسّان "الوطني للمناهج": لا نتعرض لأي ضغوط خارجية أو إملاءات لإدراج أو حذف أي موضوع في مناهجنا الإفراج عن الأسيرين الأردنيين النعيمات والعودات حملة لإنفاذ سيادة القانون في البترا المعايطة يوعز بالتحقيق في الفيديو المتداول لتجاوزات أثناء إلقاء القبض على أحد الاشخاص نائب الملك يشدد على ضرورة الارتقاء بنوعية التعليم العالي ارتفاع سعر البنزين أوكتان (90) بنسبة 4% عالميا "اعتماد التعليم": لن يكون هناك برامج راكدة بالجامعات خلال 2-3 سنوات صالح العرموطي رئيسا لكتلة نواب "العمل الإسلامي" الأمن العام يوضح تفاصيل التعامل مع التجمع الاحتجاجي في البترا مكاتب استقدام الخادمات.. الوزير خالد البكار والخيارات المفتوحة في الامتحان الأول الأردن يعـزي إيـران بضحايا حادث انفجار منجم للفحم في إقليم خراسان من هو (فادي) الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟ الحبس ل 4 أشخاص في الكرك خططوا لقتل مسؤولين مكافحة المخدرات تلقي القبض على 19 تاجراً ومروجاً للمخدرات اللواء الركن الحنيطي: القوات المسلحة مستعدة لتنفيذ أي مهمة دفاعية لحماية حدود المملكة الأوراق المالية توافق على طلب تسجيل رفع رأس المال لـ شركة "المتحدة للتأمين" إصدار 326 ألف شهادة عدم محكومية إلكترونيا منذ بداية العام الحالي إلغاء الإجتماع غير العادي لشركة الأردن الدولية للتأمين