صفقة القرن وكسرة خبز غسان كنفاني

صفقة القرن وكسرة خبز غسان كنفاني
أخبار البلد -  


 

 

«سيأتي يومٌ على هذه الأمة وتصبح الخيانة وجهة نظر».
«يسرقون رغيفك ثم يعطونك منه كِسرة، ثم يأمرونك أن تشكرهم على كرمهم يا لوقاحتهم».
(غسان كنفاني)
أما وقد تحققت نبوءته واستبدلنا اللاءات الثلاث بالهرولة وراء الاتفاقات مع الكيان الصهيوني الغاصب (إذ بالمناسبة لزم التذكير بأنه لم يزل كياناً عنصرياً مجرماً مغتصباً في طبيعته الأساسية، وليست هذه بالخطابة)، وصار السلام الدافئ هو المطمح، وصار التباهي بالانفتاح على إسرائيل «موضة « و»صرعة» حقبة ما بعد هزيمة الثورات، ترى هل كان ليخطر على بال الراحل الشهيد غسان، أن الإخراج سيكون بهذا الابتذال، وأن الصورة ستكون على هذا القبح؟ أشك!
تقتضي الأمانة الاعتراف بأن الأنظمة العربية، التي فشلت بنسبٍ متفاوتة في التعليم والصحة والتنمية والدفاع، لم تنجح سوى في البقاء أولاً، معتمدةً على القمع ومصادرة المجال العام والإقصاء والتهميش، وثانياً على تمييع أهم القضايا وتفريغها، ليس فقط من معانيها الأصلية، بل من أي معنى، جادٍ أو غيره. ليس من قبيل المبالغة التقرير بثقة، أن أنظمة ما بعد التحرر هذه فقدت أولاً سبب وجودها، ولم تلبث أن فقدت بوصلتها، وإذ لم يتبق لديها من ثابتٍ وهدفٍ سوى البقاء المحض، الذي يخدم طغماً وطبقاتٍ وشرائح بعينها، بهدف الإثراء والسيطرة، فقد التبست لديها الاستراتيجية والتكتيك، بعد أن ذابت كل الثوابت، ولعل شيئاً لا يثير الضحك المرير أكثر من أن نقول بأن هذه الأنظمة فعلياً صارت لا تكترث، وسئمت قياداتها من هذه القضية أو هذا «الملف» (لاحظ دائماً تُستخدم كلماتٌ كتلك لتقليص الأهمية وتعليبها) كونها لم تصل إلى شيءٍ فيه، رغم تضحيات شعوبها، والمفارقة المزرية أن أحداً من هذه القيادات لا يعترف علناً، بأن هذا الانسداد ليس إلا نتيجةً لاستهتارها وتفريطها، وكونها دون المهمة والمسؤولية. ثم أتى موسم الثورات، وفشل لأسبابٍ عديدة ليس هنا المجال للخوض فيها، وإذ أنشأت قيادات الثورة المضادة، تعيد إنتاج الأنظمة بالحديد والنار، فقد كشفت وجهها وتسلحت بصفاقةٍ ووقاحةٍ لا حد لها (لنذكر السيسي الذي طمأننا بأنه بنى قصوراً وسيبني المزيد) وقررت أن تتخلص من كل ما كانت تعتبره «أحمالاً زائدة»، بقايا ومخلفات صاحبت بدايات هذه الأنظمة، التي ربما كانت أكثر صدقاً في أهدافها المعلنة حينذاك، فأتت على الدعم الاقتصادي، وها هي تصفي، أو على الأقل تحاول، القضية الفلسطينية، وهي في حقيقة الأمر تعترف علناً، بصفاقةٍ ووقاحةٍ تناسب المرحلة، بما كانت تمارسه سراً على استحياء، والأكيد أن كونها أنظمةٌ انقلابيةٌ بامتياز، رسخ لديها قناعةً بأن بقاءها لن يكون إلا مروراً عبر بوابة الرضا الأمريكي، المتمثلة في إسرائيل، والمفارقة أن ذلك يتزامن مع تراجعٍ نسبيٍ لا شك فيه في الدور الأمريكي على العالم، لتثبت تلك الأنظمة وقياداتها بأنها دائماً متخلفةٌ عن الحدث وفي قفا التاريخ.

الصفقة لن تمر حتى إن وقع الرؤساء، والفلسطينيون لن يبرحوا وطنهم، سيذهب ترامب ونتنياهو وسيبقون

ثم أتى على المسرح السيد ترامب الرأسمالي، سمسار العقارات والسياسة وصهره، ليدليا بدلويهما ولم لا، ما دام الوضع وصل إلى هذه المرحلة من العبث، جاءا بمشروعٍ أسعد نتنياهو في قرابة المئة والثمانين صفحة، ويدعيان أنه المشروع بأل التعريف والحل والترياق، الذي أعيا كل المفاوضين طيلة عقودٍ، هي عمر الأزمة والمحن والنكبة والحروب، والهزائم والدم والتهجير، والإهانات والألم والمرارة، وأشجار الزيتون والبرتقال والقمح، والذكريات والمساجد والكنائس ومفاتيح الدور و..و ولئن أعاد ذلك إلى الأذهان مدعي الموالد الشعبية في مصر (وأحسب في سائر بلداننا) الذين يبيعون زجاجاتٍ من عقاقير يزعمونها تشفي كل سقم، فهو ذلك بالضبط، مع كون هؤلاء الباعة أقل ضرراً وأخف ظلاً. والمطروح ببساطة، بقاء الأمر على ما هو عليه، لا قدس ولا حق عودة، ولا سيادة فعلية، وفوق ذلك تسليم سلاح المقاومة، والقيام بدور المخبر والشرطي والجلاد، من قبل أردأ النماذج على سائر الشعب الفلسطيني المطروح، مجرد بقاء بدائي للفلسطينيين في غيتو هوعبارة عن مزقٍ من وطنٍ مسلوب، مزق لا تصلح حتى أن نسميها ظلاً أو شبحاً من الوطن، ولنفترض أننا منعدمو الكرامة والحنين، لا أخلاق لدينا وأن شيئاً لا يربطنا بأراضينا وبلادنا وعلى استعداد للمضي قدماً، فالسؤال هو، ما المقابل؟
هنا المفاجأة: لا شيء. ثمة خمسون مليارا غامضة بالتقسيط على عشر سنوات مجهولة المصدر، ومن معرفتنا العميقة والمديدة فستتحملها دول المنطقة الثرية، أي أننا سنتنازل عن حقوقنا ونصفي القضية، نقفل «الملف»، وندفع الثمن الهزيل من قوت شعوبنا لصالح إسرائيل أولاً وبقاء أنظمة الرجعية والثورة المضادة. من المفترض أيضاً أن نشعر بالسعادة والامتنان لهذا الفتح.
ولما كانت الصفقة وقحةً وصفيقةً حد البذاءة، فليس أفضل من رجلٍ صفيقٍ وجهول كترامبٍ ليزفها لنا ويسوقها. غير أن كل ما يحدث على وقاحته وابتذاله ليس اعتباطياً، فالرجل الأحمق لم يأت إلى سدة الحكم إلا تعبيراً عن أزمةٍ عميقة تمر بها الرأسمالية العالمية، التي لم تتعاف منذ 2008 وأمريكا تحديداً حيث تشعر شرائح على رأسها البيض المعوزين بالتهديد، وتعبيراً عن وعيٍ متنامٍ بتراجع دور أمريكا في العالم، والتحدي الصيني في المقام الأول، بالإضافة إلى توفر مصادر طاقةٍ بديلة عن نفط الخليج، أي أن هذه المنطقة لم تعد الأثمن، ولا تساوي الإزعاج الصادر عنها، وكل ذلك يقابله احتياج أنظمة الثورة المضادة، إلى التخلص من قضيةٍ لم تعد تعني لهم شيئاً، بل صارت سبب صداعٍ مزمن. كما أن ترامب الذي لاحقته حتى البارحة تهمٌ بالتواطؤ مع الخارج، تلتقي مصلحته مع نتنياهو، الذي تلاحقه تهم فسادٍ ورشى، وليس أفضل من صفقةٍ بمكاسب تاريخية لتلميع صورتيهما. في كل الأحوال فالمعروض هو تقنين الوضع القائم مع تنازل الفلسطينيين عن كل حقوقهم التاريخية، وعلى رأسها القدس، وحق العودة، بالإضافة إلى سلاح المقاومة، وأي سيادةٍ ذات معنى، بدون مقابل حقيقي.
مشوارٌ طويل من التنازلات والتفريط مشيناه، لم يبدأ بأوسلو، ولن ينتهي بصفقة القرن، فالشأن ليس فلسطينياً فقط، ومشكلة وجود كيانٍ مغتصبٍ عنصري كإسرائيل لن يقف عند حدود فلسطين، وإنما هو استنزافٌ مستمر لطاقة شعوب المنطقة من قبل جسدٍ غريبٍ مسموم، كان ولم يزل جسراً وطليعةً للاستعمار بأشكاله. لشد ما تدهشني سذاجة تصور أن ذلك التنازل أو غيره هو آخر التنازلات، فلو أن التاريخ علمنا شيئاً وبرهن عليه فهو أن إسرائيل في نهمها لم تكتف أبداً بما سرقته؛ أما عامل الدهشة الآخر فهو أن الكل يتعامل من المنطلق القديم نفسه، الذي يزعم «أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض» مسقطاً من حسابه العامل الأهم والثقل الفيصل: الشعب الفلسطيني!
يبدو أنه لزم التذكير بأن هذا الشعب موجودٌ بالفعل، ليس متخيلاً، على كل الأراضي الفلسطينية وفي المهاجر؛ ليس ذلك فحسب، بل لقد أثبت المرة تلو الأخرى استعداده للبذل وتقديم الضحايا، وأن كرامته أغلى من أن تشترى (بغض النظر عن بعض النماذج العاطلة المستعدة لبيع نفسها وأهلها وأرضها التي لا يخلو منها أي شعب) وأنه لا مصلحة له في هذه الصفقة ولن تحل مشاكله الأعمق والمزمنة.
المعروض إذن مزق من وطننا المحتل، كسرة من رغيفنا المسروق، ونحن مطالبون بالتهليل والابتهاج، وهذا ببساطة شديدة لن يحدث وهذه الصفقة لن تمر حتى وإن وقع الرؤساء، فإسرائيل على شكلها الحالي لن تندمج في هذه المنطقة والفلسطينيون لن يبرحوا وطنهم، سيذهب ترامب ونتنياهو وسيبقون.

 
شريط الأخبار فيديو || المقاومة الإسلامية في العراق تهاجم هدفاً في غور الأردن "الاقتصادي والاجتماعي": موازنة 2025 تتصدر التحديات الاقتصادية لحكومة حسّان "الوطني للمناهج": لا نتعرض لأي ضغوط خارجية أو إملاءات لإدراج أو حذف أي موضوع في مناهجنا الإفراج عن الأسيرين الأردنيين النعيمات والعودات حملة لإنفاذ سيادة القانون في البترا المعايطة يوعز بالتحقيق في الفيديو المتداول لتجاوزات أثناء إلقاء القبض على أحد الاشخاص نائب الملك يشدد على ضرورة الارتقاء بنوعية التعليم العالي ارتفاع سعر البنزين أوكتان (90) بنسبة 4% عالميا "اعتماد التعليم": لن يكون هناك برامج راكدة بالجامعات خلال 2-3 سنوات صالح العرموطي رئيسا لكتلة نواب "العمل الإسلامي" الأمن العام يوضح تفاصيل التعامل مع التجمع الاحتجاجي في البترا مكاتب استقدام الخادمات.. الوزير خالد البكار والخيارات المفتوحة في الامتحان الأول الأردن يعـزي إيـران بضحايا حادث انفجار منجم للفحم في إقليم خراسان من هو (فادي) الذي حملت صواريخ حزب الله اسمه؟ الحبس ل 4 أشخاص في الكرك خططوا لقتل مسؤولين مكافحة المخدرات تلقي القبض على 19 تاجراً ومروجاً للمخدرات اللواء الركن الحنيطي: القوات المسلحة مستعدة لتنفيذ أي مهمة دفاعية لحماية حدود المملكة الأوراق المالية توافق على طلب تسجيل رفع رأس المال لـ شركة "المتحدة للتأمين" إصدار 326 ألف شهادة عدم محكومية إلكترونيا منذ بداية العام الحالي إلغاء الإجتماع غير العادي لشركة الأردن الدولية للتأمين