أتمت الأونروا UNRWA»، أو وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين عامها السبعين كوكالة للغوث والتنمية البشرية، تعمل على تقديم الدعم لما يزيد على خمسة ملايين ونصف المليون لاجئ في الأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية وقطاع غزة، إلى أن يتم تحقيق حل نهائي لوضعهم، وقد نص ميثاق الوكالة على أنها مؤقتة، تجدد ولايتها مرة كل ثلاث سنوات!
يأتي معظم التمويل للأونروا من التبرعات الطوعية التي تقدمها الدول الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وفي عام 2017، وطبقا للأرقام الواردة من الوكالة، بلغت الميزانية العامة للأونروا 760 مليون دولار، وكانت الولايات المتحدة الأميركية هي المانح الأكبر لتبرعات زادت على 157 مليون دولار، تلاها الاتحاد الأوروبي بأكثر من 113 مليون دولار، وشكلت هذه التبرعات حوالي 43% من إجمالي الدخل الذي حصلت عليه الأونروا من أجل موازنتها البرامجية الرئيسة!
ومع سياسات الرئيس ترامب وقراراته المتهورة، كانت الأونروا هي الأخرى ضحية من ضحاياه، حيث بدا واضحا سعيه الحثيث للقضاء عليها، وكانت أولى الخطوات تخفيض الدعم الأميركي للوكالة، ثم حجبه بالكامل، ودعوة دول أخرى إلى فعل الشيء نفسه؛ الأمر الذي تسبب في عجز كبير في الموازنة، وأزمة مالية غير مسبوقة، استطاعت الأونروا تداركها جزئيا بفضل الدعم الذي تلقته من بعض الدول، وحملة التبرع العالمية «#الكرامة_لا_تقدر_بثمن»!
صاحب ذلك دعوة الإدارة الأميركية الى إعادة تعريف اللاجئين، بما يقلص عددهم الى عشر العدد الفعلي، وإلغاء حق العودة، ثم الدعوة الصريحة إلى حل الوكالة، وإحالة خدماتها إلى الدول المضيفة!
ثم تجلى الفشل الأميركي والصهيوني في القضاء على الوكالة، بعد تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة، أواخر العام الماضي، على تجديد ولاية الوكالة حتى عام 2023، وبتأييد 170 دولة، ومعارضة أميركا والكيان الصهيوني فحسب، وامتناع سبع دول أخرى من التصويت!
ولما لم تفلح كل هذه الضغوط، اتهمت الإدارة الأميركية الوكالة بالفساد المالي والإداري، مستغلة في ذلك تقرير مكتب الأخلاقيات التابع للأمم المتحدة الذي قاد إلى تحقيق داخلي في الوكالة، أفضى إلى تغيير في قيادتها العليا.
تعامل أحدهم عن قرب مع الأونروا بشكل استشاري في أحد المشاريع الصحية في فلسطين، واطلع على السياسات وقيمة التكاليف غير المباشرة التي تحصل عليها، فشهد كيف قدمت نموذجا منطقيا في تلك الرسوم والشفافية في الإجراءات.
إن نجاح الوكالة، ولو مؤقتا، في مواجهة الحرب التي شنها عليها ترامب، ينبغي ألا يلفت نظرنا بعيدا عن الرغبة الأميركية الصهيونية المستميتة في تصفية القضية الفلسطينية والتمهيد لصفقة القرن، ورغبتها المحمومة في إنهاء وجود الأونروا، باعتبارها الرمز الأخير لمأساة اللاجئين الفلسطينيين ومظلوميتهم التاريخية، بما يملي على الدول العربية والإسلامية وأذرعها الرسمية والخيرية ألا تخضع للإملاءات الأميركية، وأن تستمر في دعم الوكالة لتبقى قادرة على القيام برسالتها السامية في خدمة اللاجئين!