ساستنا وصُناع قرارنا الفاسدون، مع حفظ ألقابكم، ومناصبكم، والاحترام الوافر لقضايا فسادكم جميعها عبر تاريخها المديد، ليس أولها أحمد الجلبي وبنك البتراء، وليس أخرها خالد شاهين ومصفاة البترول ... طاب لقاءكم صبحاً كان أم مساء، راجين أن لا نكون قطعنا عليكم وقتكم الثمين في الفساد والإفساد، ومُعتذرين شديد الاعتذار، المصحوب بالخجل وانحناء الرأس، بوجوهنا الشاحبة، وملابسنا الرثة، عن كل يوم وكل ساعة طالبنا بها بما يسمى محاربة الفساد والفاسدين، وعن كل صحيفة أو وسيلة إعلام نطقت باسمنا واصفة حضراتكم بالفاسدين !
فبعد الذي حصل يوم مناقشة مجلس النواب لقانون مكافحة الفساد للمادة 23، والذي صوت فيه نوابنا الأشاوس الذين يمثلوننا بمنع اغتيال الشخصية ! ومعاقبة من يفعل ذلك بالسجن ودفع غرامة بعشرات الآلاف من الدنانير ... وبعد كل الجهود الرسمية التي تُبذل صبح مساء من أجل حماية الفاسدين وعدم اغتيال شخصياتهم، حتى لو كان البديل اغتيال الأردن بأكمله ... وبعد تعبنا وإحباطنا من المطالبة بمحاسبة الفساد وإيقافه ....
فأنني أطالب باسمي وباسم من يتفق معي من الشعب، بالفساد بحد ذاته ! ... اعترافاً منا نحن الضعفاء، أبناء الحلال بأننا لا نقدر عليكم ... وانصياعاً للمثل القائل: (الدهر اللي ما بيجي معك .. تعال معه) .. لذلك فسننزل عند رغبتكم، ونحققها لكم، بمباركتنا لكم بفسادكم .. ولكن شريطة أن تحققوا الأفضل في ظل الفساد !!
لذلك فإننا نعلن تنازلنا عن قضية بنك البتراء، وحتى لو أردتم البتراء نفسها .. وعن حوض الديسي وأراضيه .. وعن أراضي الدولة .. وعن مصفاة البترول .. وعن شاطئ العقبة .. وعن الفوسفات والبوتاس والصخر الزيتي، والنفط الأردني .. وعن ملايين سميح البطيخي ومن كان معه .. وعن المليار السعودي الأخير وأية أموال اخرى .. وغيرهم، وغيرهم، وغيرهم ....
إذا فليكن منهج للدولة الأردنية هو الفساد، ولُيعاد صياغة دستور جديد للبلد يتضمن بنود واضحة وصريحة للفساد ورجالاته، وإعادة تنظيم السلطات الثلاث (التشريعية، التنفيذية، القضائية) بما يتناسب وفضيلة الفساد، ويشد من أزرها، ويحفظ بقاءها، ونطالب بإلغاء ما تسمى بـ(هيئة مكافحة الفساد) ... إلا إذا اعتبرنا وجودها فساداً بحد ذاته؛ ما دام أن ليس كل الأردنيين تحت القانون أو يحولون للنائب العام.
نرجو من سياداتكم وحضراتكم مع حفظ الألقاب الاهتمام بمطلبنا وجعله على أجندتكم (طبعا بما لا يعيق عملكم الأساسي في الفساد)، حيث نعلن لسعاداتكم التنازل عن مطالباتنا السابقة بعدم توريث الحكومات، أو إيقاف الواسطة والمحسوبية، أو خصخصة المؤسسات العامة،أو هدر المال العام، أو إلغاء قانون الصوت الواحد وتزوير الانتخابات، أو طمس الهوية الأردنية، أو إلغاء معاهدة السلام، أو تجنيس الآلاف.
لذلك فإننا كلنا رجاء منكم أن تعجلوا بأوراق (زيد الرفاعي الثاني) ابن سمير الرفاعي الثاني، ليتسلم الحكومة المقبلة، حتى وان كان صغيرا ... وأن تقوموا بطباعة بطاقات واسطة رسمية لكل مسؤول ومتنفذ؛ لتسهلوا عمليات الواسطة والمحسوبية ... وأن تستكملوا خصخصة ما تبقى من مؤسسات الدولة بما فيها المساجد والكنائس ومظافات العشائر وينابيع المياه وأشجار الزيتون والبلوط ... وأن تزيدوا في مديونية الدولة بما يتناسب مع زيادة هدر المال العام وإقامة الحفلات والرقصات ... وأن تبقوا على هذا البرلمان (برلمان 111) شامخا ًصامداً راعياً للفساد، أما إذا كنتم مصرين على حله وإجراء انتخابات (والرأي الأول والأخير لكم في النهاية طبعاً) فندعوكم أن تبقوا على قانون الصوت الواحد الممجد وأن تخلصوا العمل في تزوير الانتخابات جهاراً نهارا وأمام عدسات الإعلام الُمعادي، ... وندعوكم لزيادة طمس الهوية الأردنية، وتعويمها واشتقاق لهجات أردنية اخرى لتضعف بنية المجتمع والسكان، وزيادة تفتيت وحدتنا الوطنية وجعلنا منقسمين بين بعضنا، بما يجعلكم تأخذون راحتكم في الفساد والنهب والسلب والسفر، دون رقيب أو حسيب ... ونرجو منكم أن تحترموا قدسية السلام الذي بيننا وبين إسرائيل، وأن تعمقوا أواصر المحبة في ما بيننا وبينهم، وأن تكونون مدركين تمام الإدراك أنهم أبناء عمومتنا، والإسلام أمر بصلة الرحم، وحتى لو كانت تلك العلاقات على حساب جثامين شهداء الكرامة، وأن تعطوهم المزيد من مياه نهر الأردن بل واليرموك والسدود أيضا، وأن يرفع علم إسرائيل فوق كل مؤسسة حكومية، وأن تعطوهم المزيد من الأراضي الأردنية ليزرعوها، وليس الاقتصار فقط على أراضي الباقورة، وفتح الحدود بيننا وبينهم وأن يكون المرور على البطاقة الشخصية من دون جواز السفر، وزيادة تجنيس من لا تعرفونه أو تعرفونه، أفلسنا في عصر العولمة، وأن تضعوا أكاديميات ومناهج دراسية مخصصة لتدريس الفساد.
نطالبكم بأن تلغوا منصب وزير الدفاع المقترن برئيس الوزراء المورث ابن المورث، ما دام أننا في سلام مع إسرائيل .. وأن تستحدثوا منصب رئيس تشخيص مصلحة النظام وتسليمه إلى باسم عوض الله .. وأن تكونوا متشددين في تعيين الوزراء والمناصب، فلا تنصبوا إلا من هو أشد فسادا، ولا ينتمي إلى أحزاب أو نقابات؛ لذلك نطالبكم أن يكون وزير الأوقاف خائناً للشرع مُلحدا بالديانات السماوية .. وأن يكون وزير الخارجية ليبرالياً خارجا عن العادات والتقاليد والأعراف الأردنية والعربية .. وأن يكون وزير الداخلية لا يعرف له أصل أو فصل، وحاصل على الجنسية قبل سنتين أو اقل، ولا يعرف بالعشائر الأردنية ولا بالمجتمع الأردني .. وأن يكون وزير الصحة مصاباً بمرض مُعدي لينقله إلى كل الأردنيين .. وأن يكون وزير الصناعة، يحمل شهادة مدرسة صناعية فقط .. وأن يكون وزير التربية والتعليم خريج (بيضة ورغيف) .. وأن يكون وزير العدل خريج سجون ومن أصحاب الأسبقيات، ويعمل وفق مبدأ القرد وحبة ألجبنه مع القطين .. وأن يكون وزير التعليم العالي صاحب مكتبة بيع رسائل ماجستير ودكتوراه .. وأن يكون وزير الزراعة منصاعاً لقرارات صندوق النقد الدولي، فيمنع زراعة القمح ويستبدلها بزراعة الأشجار الحرجية تحت مسمى تخضير الأردن .. وأن يكون وزير الإعلام/ الناطق الرسمي باسم الدولة، يتقن فبركة الأحداث وقلب الباطل حق وأن لا يتحدث باللهجة الأردنية أو اللغة العربية .. وتسليم وزارة التنمية الاجتماعية إلى أي عابر سبيل يمر في الأرض الأردنية ساعة تشكيل الحكومة .. وتسليم وزارة الثقافة لشخص لم يقرأ في حياته سوى قصتين قصيرتين، وورقة جريدة كانت ملفوفة على كرتونة بيض .. وأما بقية الوزراء، فكلنا ثقة بكم في أنكم ستعرفون اختيار وزراء مناسبين بمثل كفاءة من ذكرناهم .. وأما سفراءنا في الخارج فنرجوكم أن يكونوا ممن يتقنون إقامة الحفلات ورقص التانجو والسلو، وأن يكون أمين عمان مالك لمحددة، لكي يرخص آلاف الأكشاك والبسطات.. وأن تضعوا المزيد من الهيئات والمؤسسات المستقلة التي لا تتبع لأي وزارة، لكي نزيد من الزعامات والرئاسات.
عند تحقيق ذلك أو ما يشابهه، وبعضه تحقق من قبل والحمد لله، فمهمتكم سهلة، عندها نكون دولة الفساد بجدارة، ويكون الكل شريك بالفساد، ولا داعي لأن يطالب أحد بمحاربة الفساد.
أهذا ما تريدونه أيها الساسة ؟
يبقى أن أقول لكم من الحقبة الماضية شيء واحد، هو : أن للباطل جولة .. وللحق جولات.
Ahmad.Alrababah@kermalkom.com