تنوي الحكومة من خلال مشروع قانون الموازنة العامة للعام المقبل زيادة النفقات الرأسمالية لتبلغ حوالي (1425) مليون دينار بزيادة ملحوظة مقدارها (354.4) مليون دينار أو ما نسبته 33.1 % عن مستواها المعاد تقديره في العام 2019 وقد اشتملت تلك النفقات على نحو ألف مشروع رأسمالي موزعة بواقع (331.2) مليون دينار لمشاريع رأسمالية جديدة وحوالي (278.9) مليون دينار لمشاريع رأسمالية مستمرة والباقي (8149) مليون دينار لمشاريع رأسمالية قيد التنفيذ، ولا يمكن إنكار ان هذا الاتجاه محمود، ولكن النظر الى تفاصيل ذلك الإنفاق يجعلنا نتساءل عن قدرة هذا الانفاق على تعزيز مستويات النمو لترتفع الى اعلى مما هو مقدر بحوالي 2.2 بالأسعار الحقيقية وحوالي 4 في المائة بالأسعار الجارية.
هذا النمو وإن تحقق لن يعالج التحديات الرئيسة التي تواجه الاقتصاد ولن يساهم بالتخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة اللتين نسعى لتجاوزهما بكافة السبل. كذلك يملي الواقع علينا ان نقر بأن لا زيادة ممكنة في النفقات الرأسمالية عما هو مقدر في الموازنة وذلك للعديد من الاعتبارات التي في مقدمتها ضرورة تحديد حجم النفقات العامة التي تحتاج الى تمويل، والعام المقبل كما هو واضح سيشهد توسعا في النفقات الجارية لدعم الزيادة في الأجور والرواتب وكذلك لتسديد فوائد القروض وغيرها من بنود النفقات الثابتة والتي لا يمكن التحكم بها وتغييرها بصورة مختلفة عما وردت في مشروع القانون.
والحال كذلك، فمن المفيد الاعتراف بأن تأثير السياسة المالية في الأردن في تعزيز مستويات النمو بلغت حدودها القصوى، وفي الوقت الذي توفر فيه السياسة النقدية الإطار العام وتضمن تحقيق الاستقرار المالي والنقدي ضمن المتغيرات القائمة والتي على الأرجح لن تشهد تغييرا، فإن المجال الوحيد لتحفيز مستويات النمو يتمثل بالسياسة الاستثمارية بمفهومها الواسع الذي يشمل البيئة الاستثمارية والاطار التشريعي.
ولا يمكن فصل السياسات الاقتصادية عن بعضها البعض من الناحية العملية ، فالسياسة الاستثمارية عندما تتضمن إعفاءات وحوافز يصبح لها صلة بالسياسة المالية، لكن الاستثمار يعتبر العنوان الأبرز الذي يقود تحول السياسات، ولنكن اكثر تحديدا، فإن عقد الشراكات مع القطاع الخاص، واجتذاب الموارد والمعرفة الفنية المتاحة للقطاع الخاص، وتسهيل إجراءات الاستثمار على كافة الأصعدة ، هو الحل الوحيد المتاح لتجاوز معضلة النمو المتواضع، وهذا يقتضي تحسين المناخ الاستثماري وربطه بمؤشرات النمو، إذ لا يمكن الاستمرار بتحقيق معدلات نمو بالكاد تولد فرص عمل وتستوعب الوافدين الجدد الى سوق العمل، فالمطلوب مقاربة مختلفة لتسريع النمو ليس بالضرورة ان يقودها القطاع العام، ولكنه يسهلها ويعمل على تنظيمها ، ويقدم لها الحوافز المناسبة ، ويراقب أداء المؤسسات المرتبطة بعملية التنفيذ .
بغير هذه الاستراتيجية الواقعية سنستمر بالدوران في ذات الحلقة، وستتركز الحوارات حول قدرة الموازنة على تحقيق المستهدف أو الحياد عنه، وننسى ان النمو، إذا كان له ان يتحقق فهو سيتأتى من خلال سياسات وإجراءات تقع عمليا خارج سياق الموازنة، لكن نقاشات الموازنة تشكل فرصة لمراجعة السياسات الاقتصادية والاستثمارية ، ويمكن ان تقدم حلولا أكثر من كونها فرصة لإعلاء الصوت والمطالبة بالمزيد من النفقات الجارية التي ترتب التزامات لاحقة على الحكومة وتعقد من الشأن الاقتصادي على المدى المتوسط والبعيد.
الموازنة.. فرصة مراجعة السياسات الاقتصادية
أخبار البلد -