غَبْرا وغَبْصا في (الجاردنز) للتّسوّق...!!!
- الخميس-2011-09-26 16:27:00 |
أخبار البلد -
غَبْرا وغَبْصا في (الجاردنز) للتّسوّق...!!!
استغلت (فاطمه) و (مريم) مجيئهن من إحدى مناطقنا البعيدة النّائية مراجعتهنّ لإجراء فحوصات طبيّة في مدينة الحسين الطّبيّة بضع سّاعات للتّسوّق وشراء بعض الألبسة، ودون علم بالأماكن ومعرفتها؛ لم يجدن أنفسهنّ إلّا في شارع الشّهيد وصفي التّل - (الجاردنز سابقاً) - فدخلن إحدى المحلّات النسائيّة، وبعد الانتهاء من النظر والتّفحص هنا وهناك، وقع اختيارهنّ على المطلوب، ولأنّ (بين البايع والشّاري يفتح الله)؛ دار بينهن وبين البائع الحوار الآتي:
فاطمه: قديش هاظ يا خيّوه؟
البائع: من الآخر هادا تلاتين دينار...
فاطمة: (بعد أن التفتت متعجّبة ومندهشة إلى مريم وضاربة كفّاً بكف ) قالت: يا غبرااا ياحزينه بثلاثين...؟ قِطيْعة لبس إن شالله!!!)
مريم: وهاظ قديش يا خيّي؟
البائع: إلك بخمسة وتلاتين دينار...
مريم: (وهي تنظر إلى فاطمه متعجّبه) قالت: يا غبصاااا يا حزينه بخمسه وثلاثين، ريته نار وسعار عَ جلدي كان ودّي أشتريه بخمسه وثلاثين؟!!!! يالله ياخيّه يالله...جعل لا حدا لبس...
وهنا خرجن على عجل بعد شعورهن بأنّ هذا المكان والزّمان ليس لهن، فلحق بهنّ البائع إلى الخارج وهو ينادي: (يا ست غبصا ياست غبرا...وين رايحات...؟ طيّب ارجعوا لهون خلينا نتفاهم...ياست غبرا...ياست غبصا...، ولكن دون رد لا من فطوم ولا من مريم...كان يعتقد البائع حسب ما سمعه ولم يفهمه أنّ أسمائهنّ غبرا وغبصا إذ لم يعِ مدلول لهجتهما)... .
عندما تزور بلدان العالم أو تحمل جنسيّتها أو تعيش فيها؛ يضطرّوك لفهم لغتهم وبخاصة لهجتهم وتراثهم، وتُجبر على السّير بما يريدون لا بما تريد أنت، فأنت بحاجتهم وهم ليس بحاجة إليك...، فلا خسارة إلّا عليك إن لم تفعل...!!!
في الأردن...، عليك كأردنيٍّ أن تسير بما يريد الضّاعن والمُقيم (قوّة المنصب وسيطرة المال)، وعليك أن تفسّر تراثك وتغيّر لهجتك بعد أن تخفي لهجتك الأصليّة لتتعايش معه وتعيش...، وإلّا ستبقى في قُراك وريفك وصحرائك مذموماً مدحورا...
أتحدّى إن يستطيع أكثر من خمسين بالمائة في الأردن تفسير معنى (غبرا) و (غبصا)...وهل هي لدى البدو والحضر في الجنوب والوسط والشّمال الأردني تعني أسماء أم ألفاظ تراثيّه لها معنى ودلالة وتستخدم أثناء مواقف ما أو حوادث محدّدة؟
جميع من في الأردن من شتّى المنابت والأصول يعرف أنّ لفظة (عيش) في مصر تعني الخبز، و يعرف أنّ (وخّه) في المغرب تعني (على مهلك)، و (خوش) في العراقي تعني (تستاهل وذات قيمه)، و (تأبرني) في السّوري تعني (أموت وانت تعيش)، و (طز) بالتّركي تعني الملح، و (زول) بالسّوداني لمخاطبة الشخص المجهول، و (راموس) بالأسباني تستخدم للنّخوة للتحفيز والتّشجيع...، و...، و...
وعندما يقول الطّفيلي (دوك) لا يعرف معناها في الأردن سوى الحسني ومثله، وإن قال الحسني (رجلي انزلطت) فلا يفهم معناها سوى الكركي ومثله، وإن قال الكركي ( صاكي ملطوط) فلا يفهمها سوى السّلطي والعبّادي ومثله، وإن قال العبادي (إدّي) فلا يفهمها سوى الحويطي ومثله، وإن قال الحويطي (أبغى) فلا يفهمها سوى الصّخري ومثله، وإن قال الصّخري (ماكينه) فلا يفهمها سوى الحَميدي ومثله، وإن قال الحَميدي أو قال الأربداوي والعجلوني أو قال الخالدي، أو العدواني...؛ فلا أحد يفهم عليهم إلّا من عاش معهم ومثلهم...
عليك كأردني وفي بلدك لتَفْهِم لا لتُفهَم؛ أن تقول: (اطّلّع لا دوك، رجلي انجرحت لا انزلطت، جاكيتي مسروق لا ملطوط، بِدّي لا إدّي، هلّا لا هسع، سيّاره لا ماكينه، ...الخ)!!!
السّؤال: هل عدم فهم واستيعاب اللهجة الأردنيّة هو صعوبة فيها أم ظُلماً وعلوَّ؟ فإن قلت صعوبة فيها؛ فالمصريّة والعراقيّة والمغاربيّة واللبنانيّة أصعب بكثير وللأسف تُفهم وتستخدم لدينا بقوّة وبسبق إصرار وترصّد في شارعنا وتلفازنا وإذاعتنا ومؤسساتنا ووزاراتنا ومطاعمنا وبرعاية رسميّة وشعبيّة، وإن قلت ظلماً وعلوّاً وهو برأيي الأرجح؛ فعلينا إبرازها في كلّ موقعٍ ومحفل ودون تردّد أو خوف من ألّا نُفهَم... وعلى رأي المصري أبو الغيط وزير خارجيّة مصر السّابق مع اعتراضي على موقفه آنذاك حين قال قولته المشهورة: (اللي عايز يفهم يفهم واللي مش عايز يفهم، هو حر...ما يفهمش...).
ما أخشاه هو أن يردّ عليّ أردنيٌّ ضعيف مهزوم ويخجل من لهجته ويعتبر تركها تقدّماً وتحضّراً أو حسب حاجته لدى الآخرين أو لا يعرف ماذا يعني التّراث وماذا تعني الهويّة للأمم فيقول: كلّ هذا باطل وأضحى من الماضي الذي لا يُفيد في الحاضر...، وعسى ألّا يتهمني أنا ومن يؤيّدني بالمتخلّفين!!!
إحتياطاً؛ فالرّد هو : (اللي ماله أوّل ماله تالي)...، وما يهمّنا هو أنّ (غبرا وغبصا) منسجمتان ومتفاهمتان مع بعضهما بعضا...وكل ما هو في (الجاردنز) لا يتناسب معهما وتراثهما وليستا بحاجة له، ولكن...؛ وللأسف الشّديد رغم أنّهنّ أمّهات أردنيّات وهمهنّ يربّنّ للأردن (زُلُمْ) كما يصدح ويغنّي عمر العبداللات؛ إلّا أن تلك الزّيارة النّادرة والأخيرة لم تعنِ لهنّ على ما أعتقد سوى (غربة وطن)، ولم تعنِ لبائع الألبسة الدّاخليّة والمكياجات في (الجاردنز) وأمثاله الجاحدين السّاحلين السّائحين سوى أنّ الأردنيّة همّها تربي غنم... !!!
هذا هو الواقع شئنا أم أبينا وليس لنا أو لدينا لومٌ لأحد...، (فيدانا أوكتا وفونا نفخ)...، فلا زلنا نردد (وسّع الميدان يا بيّ ولد وسّع الميدان)، فوسّعنا كل الميادين للجميع إلى أن ضُيّق علينا ميدان الشّهيد وصفي التّل رحمه الله وغيره من الميادين العزيزة والغالية، فلا ندخلها إلّا مروراً أو غروراً حيث مُنِع علينا هناك أن نَفهَم أو نُفهَم، وإن كنت تؤمن باللَحْمَة الوطنيّة وتتحدّث اللهجة البلديّة؛ فلتقل شارع (الجاردنز) لا غيره أو (إنطزْ) واسكت؟!