كانت فرصة كافية لمجلس النواب أن يغسل كل أخطائه السابقة، حتى الخطأ الاستراتيجي بالتصويت بـ111 صوتا لحكومة سمير الرفاعي التي عاشت نحو أربعين يوما بعد هذا الإنجاز، ووسمت بعدها المجلس بـ"مجلس 111". لكن أثبت المجلس أنه غير محظوظ ولم يلتقط اللحظة.
ومع هذا، ومهما يكن التقييم لأداء مجلس النواب، فإن الجلستين الصباحية والمسائية اللتين عقدهما يوم الخميس الماضي، كانتا ستحصلان على وصف "جلسة تاريخية" لو فعلا قرر المجلس إلغاء محكمة أمن الدولة. لكن في زمن الصراع ما بين الإصلاحيين وقوى الشد العكسي، فإن ما تحقق في هذا اليوم من قبل النواب يعتبر شيئا متقدما، حيث رفض المجلس "دسترة" محكمة أمن الدولة، وأفشل تعديلا دستوريا مقدما من قبل الحكومة، نص على أنه "تشكل بقانون محكمة أمن دولة، وتقتصر اختصاصاتها على جرائم الخيانة العظمى والتجسس والإرهاب والاتجار بالمخدرات". صحيح أنه أضاف عليها جريمة جديدة، لكن رفض دسترتها أبقى الفرصة متاحة يوما ما إلى المضي في إلغائها نهائيا.
لم أصدق أن عضوا في مجلس النواب يمكن أن يدافع في لحظة ما عن محكمة أمن الدولة. وكانت هذه الجلسة فرصة لجميع أعضاء مجلس النواب لأن يكسبوا سياسيا وشعبيا من خلال الموقف الواضح الرافض لمحكمة أمن الدولة، قبل العودة مجددا وقريبا إلى القواعد الشعبية طلبا للأصوات، حيث لن تنفع عندها المراوغة والالتفاف على المواقف، ففي زمن الإصلاح واليقظة الشعبية لن تنفع الوسائل السابقة في دغدغة الناخبين، وسوف يحاسب كل مرشح على مواقفه، ويحاكم بحسب سيرته العامة، وبخاصة أن أكثرية النواب، إن لم يكن كلهم، سوف يترشحون مرة أخرى، وعذرهم أنهم لم يكملوا المدة الدستورية، ولم يمنحوا الفرصة الكافية لإثبات أنفسهم.
ليتذكر النواب أن مسيرة انطلقت في 10 حزيران (يونيو) الماضي في ماركا باتجاه محكمة أمن الدولة للمطالبة بإلغاء المحاكم العسكرية، وفي هذه المسيرة النوعية انتقد المشاركون محكمة أمن الدولة، ووصفوها بأنها تقيد الحريات في المملكة. ومن يتابع الاعتصامات والمسيرات يجد دائما يافطة أو أكثر تطالب بإلغاء محكمة أمن الدولة، وهناك العديد من الدراسات والمذكرات القانونية من قانونيين أكفاء تكشف عن ضرورة إلغاء محكمة أمن الدولة، لتكريس مدنية الدولة الأردنية.
ولنتذكر أيضا أن رئيس اللجنة القانونية النائب عبدالكريم الدغمي، تعهد برفع سوية التعديلات الدستورية وتحسينها، وكثيراً ما قال إنه يسعى لتسجيل إنجاز تاريخي في التعاطي معها طالما هو يرأس اللجنة التي ستعمل على صياغة التوصيات بشأن التعديلات الدستورية قبل إرسالها لمجلس النواب. وعندما حاول التعبير عن هذا الإنجاز لم يجد سوى أن يقول إن اللجنة القانونية أوصت بإلغاء محكمة أمن الدولة التي يدرك الدغمي جيدا أن مطلب إلغائها من أبرز وأهم المطالب التي ينادي بها الحراك الإصلاحي.
لم يكن موفقا وزير الحكومة المعني بالدفاع عن محكمة أمن الدولة، وزير العدل إبراهيم العموش، عندما طالب بشطب كلمة عرفية، التي جاءت في مداخلة النائب موسى الزواهرة خلال المناقشة، حيث شن هجوما على محكمة أمن الدولة، واعتبر أنها من إرث حقبة سابقة عرفية لا يجوز الإبقاء عليها أو دسترتها، وأن وجودها "يسيء للدولة"، فلا أحد يستطيع أن يقول إن محكمة أمن الدولة ليست من إرث المرحلة العرفية، لا بل تؤشر عليها يوميا.
أغرب ما في الجلسة أن يحصل المقترح الحكومي الذي يتضمن "الدسترة"، والنص عليها في الدستور، على تأييد 32 نائبا، ويعارضه 54 نائبا، ويغيب عن الجلسة 34 نائبا. وكان المقترح بحاجة لموافقة 80 نائبا لكي يتم تمريره. والأغرب أيضا أن يجد هذا المقترح نوابا يدافعون عنه أكثر من دفاع الحكومة عنه، حتى وصل الأمر بأحد النواب الممثل لكتل برلمانية لأن يقول "إن إنشاء محكمة لا يضيق الحريات العامة والسياسات ولا يهدف إلى التغول على سلطة المحاكم النظامية".