بغض النظر عما يجري من تطورات حولنا، فإن للأردن تاريخه وظروفه التي تملي عليه التأمل والتبصر في المستقبل. ولكل مرحلة من المراحل أفكارها، وهمومها، وتحدياتها، وفرصها، والتي تنعكس جميعاً في المفردات والتعابير السائدة والمستخدمة.
وليس من السهل على أي تعبير أن يصل الى الانتشار والتداول اليومي إلا إذا كان هذا التعبير حياً ونابضاً بفكرة تشغل بال الناس أو تداعب خيالهم.
ولقد قال لنا العظماء "في البداية كانت الكلمة"، ثم قالوا لنا "في البداية كانت الفكرة"، ولكن الكلمة والفكرة يمكن أن تصبحا توأمين، وكل منهما صورة ناطقة للأخرى، فنحن نقول "الحرية"، "الكرامة"، "الإنسانية"، أو كلمات ذات دلالات سالبة مثل "الشيطان"، "الاستعمار"، "الانهزامية". وكلها مفردات ذات دلالات، وتكاد تصبح بحد ذاتها رموزاً للخير أو الشر.
وفي سبعينيات القرن الماضي، شغل الأردن قيادة وشعباً بمصطلحات التنمية، وصارت كلمة "التنمية" واحدة من الألفاظ المتداولة بين الناس. وبعد عدد من سنوات التخطيط وخطط التنمية المُتعاقبة، صارت التنمية "اجتماعية"، و"اقتصادية"، و"شاملة"، و"إقليمية"، و"عادلة"، وغيرها من الصفات. وقس على ذلك من تعابير عكست رغبة الناس في البناء، والإضافة، لقد احتاج الأردن أيامها الى الكثير من البنى والمرافق والخدمات، ومن هنا انصبت جهود التنمية على المدخلات المطلوبة، وعلى تحقيق قفزات كمية راعت النوع والجودة.
وقد كلفتنا هذه الجهود والمشاريع كثيراً، وارتكبنا أخطاء وتحملنا دُيوناً، وبنينا دفاعاً، وأقمنا مؤسسات، وأرسلنا أبناءنا وبناتنا في طلب العلم والعمل، أما الآن.. فالوضع يتطلب نظرة فاحصة جديدة.
إن دواعي المرحلة تقول لنا نحن بحاجة الى "الإصلاح الشامل"، الإصلاح الذي لا تُمليه ضرورات سلبية تسعى لتلافي الأخطاء وسد الثغرات والثقوب، ولكن إصلاح تُمليه طبيعة المرحلة التي وصلنا إليها عبر تجاربنا ونجاحاتنا وحاجاتنا وآمالنا وآلامنا.
والمطلوب أن نعي الآن أن للإصلاح جوانب سياسية، واقتصادية، واجتماعية، وثقافية، وتتكامل مع بعضها بعضا. ولكن لهذا الإصلاح جوانب دقيقة تتطلب معرفة ودراية مختصة، لا تسمح أن تنجز بأسلوب غير متقن. فعصر التكنولوجيا والقدرات الإنسانية الإبداعية خلقت تخصصات دقيقة لا تسمح بالارتجال، أو الواسطة، أو المعرفة السطحية.
ولذلك، فإن المطلوب هو الاتفاق على مفهوم متكامل للإصلاح، تتكامل جوانبه بقياس دقيق لمنجزات محددة.
إن المطلوب الآن ليس مجرد الإضافة الكمية، وليس المطلوب أن ننتج، بل أن ننتج ما ينافس ويبيع ويحقق الربح.
وهكذا، نحن مطالبون بإصلاح شامل ينقلنا من التركيز على الكم الى النوع، ونسافر فيه من دنيا المدخلات الى عالم المخرجات، ومن التفاخر بإعداد الطلاب الى التباهي بالإنجازات العلمية، ومن الإشادة بأعداد الأطباء والأَسِرَّة الى الإنجازات العلاجية الكبيرة، ومن إقامة مبانٍ جديدة الى صيانة القائم منها، ومن التركيز على الحجم في المكاتب والمشاريع والصناعات الى اختراق الأسواق.
نحن بحاجة في هذه المرحلة الى رموز وتعابير جديدة تبرز روح البلد الواحد، وتجعل أبناءه واقفين صفاً واحداً، لا متنافسين على وظائف غير منتجة، وإعفاءات ضائعة في الرمال، وتنافس غير متكافئ على ما يستحقه الآخرون...
نريد أن تسود بيننا روح واحدة تجعلنا قادرين على الجمع لا التفريق، وعلى الإنتاج بدل التذمر والشكوى.