الخروج من نفق الاستعصاء

الخروج من نفق الاستعصاء
أخبار البلد -  



قبل ثلاثة عقود من الزمن وعلى وقع أزمة اقتصادية عميقة، انطلقت في جنوب الأردن حركة شعبية غاضبة، محركها الأساس، مركبٌّ (اقتصادي- اجتماعي).
وأما المحرك الثاني الذي لا يقل أهمية فهو الاعتراض على متلازمة «الفساد والاستبداد» المرافقة لحقبة الأحكام العرفية، وغياب العدالة الاجتماعية وانتهاك حقوق المواطنين، وحرمان المعارضين من العمل وحجز الجوازات والمنع من السفر.
في موجة الاحتجاجات، انتفض المواطنون تعبيراً عن غضبهم، ورفضهم، فيما سُمّي لاحقاً بهبّة نيسان التي شكّلت تحدياً داخلياً للدولة الأردنية، في لحظة تاريخية متميزة، حصل على إثرها تفاعل اجتماعي، وتحول سياسي، أبرز ملامحه الانتقال من مرحلة الأحكام العرفية التي كانت فيها السلطة احاديةً مطلقةً، إلى بداية الانطلاق نحو التحول الديمقراطي.
كانت العلاقة تقوم على قاعدة النفي والإنكار، وعدم الاعتراف، بين الطرفين (النظام والمعارضة)، فالاحزاب ممنوعة بالتشريع والقانون، والمعارضة المقموعة والمطاردة، لجأت إلى السرية والعمل تحت الأرض، والإعلان عن مواقفها بعدم الثقة بالنظام السياسي بل وعدم الاعتراف
بشرعيته احياناً.
من هنا بدأت رحلة البحث عن المخرج، إذ لم تتأخر الاستجابة الرسمية في المبادرة، ورسم قواعد جديدة في العلاقة بين النظام السياسي والمعارضة.
أعاد النظام تموضعه الداخلي، وسعى إلى بناء المصالحة الوطنية، حيث كانت الذهنية لدى الجميع قد نضجت لاستقبال المعادلة الجديدة، فكانت الانتخابات البرلمانية عام 89 لمجلس النواب الحادي عشر، حيث تميزت تلك الانتخابات بشموليتها ونزاهتها ومشاركة الجميع، كمقدمة لمغادرة الحقبة العرفية ومباشرة التعددية وتقنين العمل الحزبي وإطلاق الحريات ورفع القبضة الأمنية عن مفاصل الحياة المدنية، وإدارة الحوار الداخلي الذي انتج وثيقة الميثاق الوطني، وحدد ملامح المرحلة، وفق قاعدة «لا تجريم ولا تخوين»، قبولاً بمعارضة حزبية سياسية أو اجتماعية برامجية تمارس دورها الدستوري من دون إدانة ولا تجريم ولا ملاحقة قانونية، وباعتبارها مكونا من مكونات الدولة، مقابل الاعتراف بسيادة الدستور وعدم التخوين والقبول بالعمل المحكوم بالقوانين والتشريعات الناظمة للعملية السياسية.
لكن المَلْحظ المهم هو توقف مسار التحول الديمقراطي، والعودة إلى محطة الأحكام العرفية المتشحة بأشكال ومظاهر الديكور الديمقراطي.
الأزمة الراهنة التي تواجه الأردن اعمق مما سبقها من الأزمات السابقة، وعلى جميع المستويات، وأصبحت مُعرّفةً ولا تحتاج إلى تشخيص، وأغرب ما رافق هذه الأزمة أن ليس ثمة خلافا حول مضامين الخطاب الإصلاحي، بين الجانب الرسمي وقوى الإصلاح الشعبي، إذ إن ما تطالب به المعارضة الإصلاحية يلتقي نصاً ومضموناً، مع مضامين الأوراق النقاشية الملكية، التي طُرحت خلال السنوات الماضية، وبيان الحكومة الحالية الذي قدمته إلى مجلس النواب (وثيقة الثقة) والذي نص صراحة على مشروع النهضة الأردني، وبناء عقد اجتماعي جديد، وطاولة حوار
وطني للجميع.
اين المعضلة اذاً؟ اين الاستعصاء في مسار الإصلاح؟.
النظر إلى المستقبل يدعو الى التفاؤل بالنجاح ومغادرة حالة الاستعصاء، المستقبل الذي يُوصف بأنه زمن ثورة الذكاء الصناعي وعولمة المعرفة وديمقراطية الحصول على المعلومات المتدفقة بقوة، معرفة لا تنتظر من يبحث عنها بل تصل اليه حيث هو بالصوت والصورة وبشكل مباشر، مستقبل التطبيقات الإلكترونية والريبوتات البشرية، ولا مكانة فيه لسطوة الاستبداد، وهيمنة الاستفراد، ذلك ان مصلحة النظام العالمي القادم وقيد التشكيل وحفاظا على الامن العالمي والسلم الدولي لن يقبل بعبور الصيغ السياسية (دول كيانات احزاب وجماعات) المنتمية الى محنطات التاريخ الخشبية، وحتى لا نفقد الأمل بالخروج من أزمة انسداد مسار الإصلاح، وبالنظر من زاوية أخرى فإن الأسباب التي تبقي نافذة الأمل مفتوحةً نحو تحول ديمقراطي، وإصلاح سياسي، هو غياب العنف في الاصطفاف السياسي الأردني.
صحيح أن الجانب الرسمي انهمك حتى هذه اللحظة بكيفية احتواء الاحتجاج أو الحيلولة دون تشكله ابتداءً، كما أنه استمر في تقديم المسكنات المرافقة لسياسة الترغيب والترهيب التي فقدت قدرتها على المعالجة والتأثير، لأن مواطن الخلل، وأسباب الاعتراض موضوعية وذاتية، وببقائها فإن المحركات الوطنية ستنتج اجيالا من الحراك ونسخا متطورة من الاحتجاج.
وصحيح أيضاً أن ثمة ممارسات شائنة استهدفت ارزاق النشطاء وسمعتهم، والتضييق عليهم واعتقال بعضهم، لكن الصحيح أيضاً ان التنافس والتدافع والاشتباك السياسي بقي محكوماً بقواعد الخصوصية الأردنية، وفي الحدود الدنيا من الصراع، إذ يُسجل للنظام انه قاوم ضغوطاً إقليمية لا يستهان بها، ورفص طلبات متكررة من أجل البطش بالمعارضة، وفقاً لنظرية الثورات المضادة والضربات الاستباقية لخيارات الشعوب، وتميز الأداء الأردني بعدم الانسجام مع المنظور الأمني الصهيوني القائم على تصفية القوى السياسية الحية في دول الجوار، وبالمقابل فإنه يُسجل للمعارضة أيضاً رشدها واتزانها، في شعاراتها (إصلاح النظام) والتزامها منهج الاعتراض الحضاري، ومبدأ السلمية، ورفضها التورط في أعمال التخريب للممتلكات العامة أو الخاصة، والابتعاد عن المسوغات التي تسعى لها بعض الجهات لدفع النظام الاردني إلى حضن اليمين الصهيوني عبر توريطه بالعنف والبطش بالمعارضة.
ويبقى السؤال قائماً ومشروعاً: ما دام المشهد ليس ثأرياً ولا دموياً، وتلتقي فيه الخطابات الإصلاحية على الأهداف والمآلات، اين هي المشكلة اذاً؟ وما هي الخطوات الضرورية للخروج من
حالة الاستعصاء؟
أساس المشكلة سياسي بامتياز، وغياب المشاركة الشعبية في صناعة القرار، وفي ادارة الدولة (السلطة والموارد)، أفضى إلى تفاقم الأزمة وتعمق المشكلة.
حالة الانسداد السياسي ستبقينا في عنق الزجاجة وفي نفق الأزمة، والخروج من حالة الاستعصاء يستلزم تغيير النهج، ويستوجب شراكة حقيقية في تحمل المسؤولية وإدارة الدولة، وخلافا لذلك ستبقى حركة الاستنزاف والتنازع تكشفنا أمام المشاريع الدولية والإقليمية الخطرة التي تهدد واقع الدولة ومستقبلها.
من هنا نبدأ بخطوات وطنية إصلاحية جريئة تفضي إلى نظرية الشراكة السياسية في القرار والمصير، وتبعاً لذلك تحمل المسؤولية الملازمة للمشاركة في صنع القرار والمسار.
واذا كان الميثاق الوطني الذي دشّن مرحلة جديدة قبل ثلاثين عاما، قد نجح في العبور الآمن نحو العتبة الأولى من التعددية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فإنه ومن غير المعقول أن نعود إلى محاولة بناء نفس المدماك الذي يصلح للانطلاق منه والتأسيس عليه وليس الاكتفاء به او التغني بفضائله.
وفي السياق أيضا لا يخفى على اي مراقب العوائق المعطلة لهذا المنطلق، إن كانت على المستوى المحلي او الإقليمي أيضاً، إذ من غير المتاح او الممكن الانطلاق نحو فضاء الإصلاح السياسي، دون إزاحة العوائق والمطبات العميقة من الطريق، دور قوى التعطيل والشد العكسي، وهم أصحاب المصالح والمنافع الذين يحرصون على بقاء الحال مختطفا من قبلهم والمستقبل مرهونا بأيديهم، لأن هؤلاء لا يريدون الإصلاح بل يريدون الحفاظ على مصالحهم، وأما الأطراف الإقليمية فيكفي الإشارة إلى فشلهم في إدارتهم لدولهم وتعمق ازماتهم، وبالتأكيد لا نريد أن نكون شركاء في مسار الدول الفاشلة.
الحوار هو بوابة الإصلاح، باعتباره آلية حضارية لا غنى عنها للوصول إلى المآلات وتحقيق الأهداف، أما الحوار الذي ينشأ لمشاغلة الرأي العام وتقطيع الوقت والتحايل على اكراهات الواقع، فإن آثاره السلبية تزيد الأزمة تشابكا وتعقيدا، بهذا المعنى فإن تلازم الإصلاح والحوار ضرورة وطنية لا تقبل التأجيل او الإحالة إلى المستقبل، وتلبية هذه الضرورة مسؤولية المكونات السياسية جمعاء،
لا يعفى منها احد.
مع تكاثر الدعوات لطاولة الحوار تأتي أهمية اللحظة في موقف حاسم من أصحاب القرار للبدء به، وطي صفحة الإعاقة والتعطيل من الساعين لإفشال مسيرة الحوار داخل مؤسسات الدولة، كما أن المطلوب من أطراف المعارضة التي تشارك بالحوار أن تحميه وتضمن نجاحه.
آن الاوان للانطلاق وبدء العمل بعد ان أتخمنا بالحديث عن الإصلاح ومقتضياته، فهل سنشهد بارقة الأمل ام ان الفالج لا يعالج؟
الرابط المختصر

الكلمات المفتاحية


 
 
 
شريط الأخبار الجيش: صاروخ من نوع "غراد" سقط في الموقر مجلس الوزراء يقر نظام القيادات الحكومية لسنة 2024 رسالة حادة من وزير الخارجية لدولة الاحتلال الحوثيون: استهدفنا مطار بن غوريون أثناء وصول نتنياهو سوريا عن اغتيال نصر الله: الكيان يؤكد على سمات الغدر والجبن والإرهاب فرض حصار عسكري على لبنان... وإلقاء 3500 قنبلة خلال أسبوع فيديو || حالة ذعر بين الإسرائيليين في الشوارع والشواطئ ومطار "بن غوريون" بسبب صورايخ من اليمن هيئة الطيران المدني: نحو 400 طائرة عبرت وهبطت وغادرت الأردن الجمعة من التخطيط إلى "الطُعم" فالتنفيذ... هكذا اغتالت إسرائيل حسن نصرالله القوات المسلحة تنفذ إنزالا جويا جديدا لمساعدات على جنوب قطاع غزة وزير الداخلية يتفقد جسر الملك حسين وزير الخارجية يبحث مع نظيره السوري أمن الحدود ومحاربة تهريب المخدرات الرجل الثاني بحزب الله.. من هو هاشم صفي الدين الأوفر حظا لخلافة نصر الله؟ رجل دين شيعي تنبأ باغتيال نصر الله.. فيديو يشهد تداولاً كبيراً حماس تنعى حسن نصرالله وإخوانه حزب الله: سيد المقاومة نصر الله على خطى الأنبياء والأئمة الشهداء بعد 30 عامًا من الجهاد والتضحيات حزب الله يعلن بشكل رسمي استشهاد حسن نصر الله "صناعة عمان" تنظم ورشة تعريفية ببرامج دعم التشغيل بالتعاون مع "العمل" و"المهندسين" الأردن.. بدء تقديم طلبات الانتقال وإساءة الاختيار لمرحلة البكالوريوس الشوبكي يرجح تخفيض سعر البنزين والـديزل بالأردن