أحد المخططين للاقتصاد السوري منذ عقدين من الزمان، يقول: إنه بدون الحرية لا تكون المسؤولية، وبدون المسؤولية لا تكون المحاسبة، وبدونها جميعاً يسلطن الفساد!!. وهو بهذه الخلاصة يستبعد نجاح أي إصلاح سياسي أو إداري أو اقتصادي لذاته.
والناس في سوريا، كما في بلدنا، يحبون أن يبدأوا.. من الآخر. إنهم يقفون أمام الفساد ولا يريدون رؤية أسبابه الحقيقية: الحرية، المسؤولية، المحاسبة!!. وهم يقفون أمام الفساد باعتباره حالة حكومية ولا علاقة لحياة الناس به، مع أن المواطن الصغير صاحب الفرن يشارك في الفساد ببيع رغيف «الشراك» بعشرين قرشاً، فيكون كيلو الخبز المدعوم حوالي 90 قرشاً مع أن سعره هو 16 قرشاً. أي أن الدولة تضيف إلى فساد صاحب الفرن دعماً نسمع أنه يصل إلى 45 مليون دينار الفرق بين سعره لدى الاستيراد، وسعره لدى تسليمه إلى الأفران!!. ومثل الخبز كل اللحم المستورد، وكل الخضار غير المستوردة، وكل شيء في المتاجر الفاخرة، والمتواضعة على السواء، فلا توجد أسعار تعكس القيمة الحقيقية للسلع والخدمات. فإذا لم يكن هذا هو الفساد.. إذن فما هو الفساد؟؟.
تتم محاسبة المسؤول الحكومي إذا عمّر أو اشترى بيتاً، لكن أحداً لا يحاسب المنتج أو التاجر الصغير على تعمير أو شراء دار مماثلة. وقد سمعنا، عبر أصوات مرتفعة، فظاعة تملك مسؤول حكومي كبير بيتاً بلغ سعره 12 مليون دينار، وحين صرّح تاجر بأنه اشتراه بتسعة ملايين وليس باثني عشر مليوناً كما يشاع. لم يستفظع أحد هذا الرقم على اعتبار أن التجارة تدر مالاً كثيراً، لكن الحقيقة هي أن التجارة لا تعطي كل هذا الغنى المفرط لو كان التاجر يدفع ضريبة الدخل!!.
.. نعم، الفساد هو ناتج غياب المحاسبة، وغياب المحاسبة ناتج عن غياب المسؤولية، وأن غياب المسؤولية ناتج عن غياب الحرية. هذه معادلة لا يريد أحد أن يضعها المواطن أمام عينيه، كما يضع الواحد منّا نظارته. فالاتهامية صارت جزءاً من حياتنا، لكنها اتهامية بغير عيون، وبغير عقل!!.