استقالة د.كامل العجلوني من رئاسة مجلس أمناء الجامعة الأردنية لا تبتعد عن حديث الإصلاح السياسي في البلاد، بل تقع في صلبه تماماً! ذلك أنّ العطب والخلل قد أصاب مختلف شرايين الحياة العامة، خلال السنوات الماضية، وفي مقدمة ذلك الجامعات والتعليم العالي، الذي غزته الأمراض، وفقد استقلاليته ومكانته الريادية السابقة.
استقالة العجلوني، وهو قامة علمية متميزة، تعكس قدراً كبيراً من المصداقية والصدق مع النفس والآخرين. هو، بذلك، يقرع جرس الإنذار مرّة أخرى ويحذّر من أنّ الجامعات في مسار التدهور، وأن كل ما يتم الحديث عنه من خطط تطوير وإصلاح، هي فقط على الورق، بينما في الواقع "الأوجاع" هي هي.
ليست المرّة الأولى التي يتحدث بها عالم بمكانة العجلوني عن الوضع المرعب الحالي، فقد سبقه إلى ذلك أحد رموز التعليم العالي في الأردن اليوم، د.محمد عدنان البخيت، بلغة حازمة وواضحة عن خطورة الحالة "المرضية" للتعليم العالي، ونسمع شهادات مقلقة جداً من أساتذة كبار بحجم د.محمد اقديس، الذي استقال من الجامعات الحكومية احتجاجاً على غياب الاستقلالية.
الجديد في استقالة د.العجلوني أنّه أجمل الأسباب التي دعته إلى الاستقالة بصورة مكثفة وعميقة، ووضع القضية على طاولة رئيس الوزراء. وقد وضع يده على المعضلة الرئيسة، التي تختزل الأزمات الأخرى، وتكمن في غياب "استراتيجية وطنية واضحة" نحو التعليم العالي والجامعات؛ هل تريدها الحكومة جامعات حكومية فتتحمل نفقاتها بالكامل، وتؤمّن لها ما تريد، أم جامعات تتولى هي الإشراف على أمورها وإدارة شؤونها؟ ومن هذه المعضلة تتسرب أسئلة الاستقلالية والقدرة على الخروج من "النفق الحالي". بالطبع العجز المالي ينعكس على المدرّسين والأساتذة ومدى توافر البيئة المناسبة لعملهم، ولقدرتهم على الموازنة بين التدريس والبحث العلمي.
وثيقة الاستقالة تؤكد على غياب الاستقلالية في قبول الطلبة وتخصصاتهم، والأخطر من ذلك في اختيار القيادات الجامعية، والتدخلات الواضحة في هذا الشأن. وهو يتحدث بذلك عن مشكلة طالما كانت موضع حديث إعلامي، ووصل الأمر إلى تدخل من المستويات العليا، لكن القصة لم تنته، وما تزال مستمرة، والأنشطة الطلابية تحت الحصار، في الجامعات الأردنية المختلفة.
ما يدمي القلب، هنا تحديداً، هو أنّ الجامعات الأردنية التي يفترض أنّها تكتظ بالخبرات الأكاديمية والعلمية، وأنّها المعامل التي تصنع الحلول للمشكلات المختلفة والتحديات الاستراتيجية، يتم التعامل معها وكأنّها طفل قاصر بحاجة إلى "وصاية رسمية"، بل تعاني من فوقية شديدة في التعامل من المسؤولين، ومزاجية شديدة، أرهقت الجامعات ودفّعتنا كلفة كبيرة جداً!
كيف لنا أن نثق، بعد ذلك، بجدية الإصلاح وخطواته، طالما أنّ الجامعات، وهي أساس الإصلاح والتقدم، ما تزال مرهونة للمنظور التقليدي في التعامل معها، ولا تملك حريتها؟!
لدينا، في الأردن، كفاءات أكاديمية مرموقة، وقامات علمية، لكننا نحتاج إلى رؤية واضحة، وحكومة صادقة وداعمة معنوياً ومالياً، وجرأة إدارية، وأولاً وأخيراً استقلالية كاملة، ورفع الوصاية الرسمية القاتلة التي دمرت الجامعات، وحطت من مستوى الإدارة والتدريس والطلبة.
جرس الإنذار يقرع، اليوم، قبل أن نبكي غداً على نضوب أهم مورد للاقتصاد والتنمية والميزة الأردنية الإقليمية.
هل نصْحُو؟!
أخبار البلد -