من الواضح ان الحكومة فقدت الكثير من شعبيتها خلال الأسابيع القليلة الماضية بسبب قانون ضريبة الدخل والطريقة التي أدارت بها الحوارات مع المحافظات، وذلك بالرغم من الشعبية الكبيرة التي يتحلى بها دولة الرئيس عمر الرزاز وطبيعته المتواضعة وفكره النير ونظافة يده.
في نظري، فإن الحكومة ارتكبت عددا من الأخطاء التي كان يمكن تفاديها والتي أوصلتها لما هي عليه اليوم. لقد جاء الرئيس الرزاز وفي جعبته قاعدة شعبية عريضة كان يجب أن يستغلها منذ اللحظة الأولى لتقديم برنامج متكامل نهضوي صلب يدل على تغيير حقيقي في نهج إدارة البلاد، خاصة أنه يحمل هذا الفكر النهضوي منذ زمن، بل اختير بسببه. وبدلا من ذلك، شاء الرئيس ان يتبع سياسة حذرة قوامها إرضاء كافة الأطراف عملا بمبدأ التدرجية المغالية في الحذر وضمن اعتقاد انه يملك وقتا طويلا. فجاءت التشكيلة الحكومية في معظمها مغالية في التقليدية، فلا أرضت من هم ضده ولم تقنع من هم معه، وبدا البرنامج الوزاري متراجعا عن مبدأ تلازم المسارين السياسي والاقتصادي الذي يؤمن الرئيس به، حتى أصبح أعداؤه وأصدقاؤه يسألون عما هو جديد عن الحكومات السابقة.
أخطأت الحكومة حين لم تعرض أكتافها، فبدلا من تقديم إطار عريض منذ اليوم الأول واضح وملتزم بنهضة سياسية واقتصادية واجتماعية شاملة يشعر الناس من خلاله بالتزام الحكومة بنهج جديد ولو احتاج تطبيقه لزمن طويل، شاءت الحكومة أن يتم الحكم الأولي عليها من خلال قانون الضريبة فقط، وهو قانون نعرف أنه مهما أدخل عليه من تحسينات، فلن تؤثر على الصورة الكبيرة وهي إصرار صندوق النقد على تنفيذ بعض الالتزامات التي لا تستطيع الحكومة تجاهلها. وقد كان أحرى بالحكومة أن لا تقدم أي قانون ضريبة جديد إلا مع حزمة من القوانين والإجراءات تتعلق بالتهرب الضريبي وقوانين النزاهة ومحاربة الفساد بدلا من تقديمها لاحقا، إضافة لتقديم خطة واضحة ومقنعة للإصلاح السياسي. بدلا من ذلك، صغرت الحكومة أكتافها، وكانت هذه النتيجة التي كان يجب على الحكومة توقعها.
أخطأت الحكومة حين قامت بالتحاور في المحافظات بعد انتهائها من الجزء الأكبر من قانون الضريبة ، والمفترض في أي حوار جدي أن يتم الاستماع أولا للناس كي يقتنعوا بأن رأيهم سيتم تضمينه في القانون، وليس كما بدا وكأنه حوار رفع العتب. فإن كانت الحكومة جادة في التحاور مع الناس، كان يجب البدء بهذه الحوارات من زمن، وإلا فلا ضرورة لهذه الحوارات التي لم تكن مقنعة.
لم يعد لدى الحكومة العديد من الخيارات، فهي لا تستطيع برأيي الاستمرار في سياستها المبالغة في الحذر، ومن الضروري بمكان فتح باب الحوار الوطني، ليس حول قانون الضريبة، ولكن حول النهج بأكمله، وأن يشترك في هذا الحوار كافة فئات المجتمع الموالية والمعارضة، بما في ذلك كافة أذرع السلطة التنفيذية.
لقد حصل ما كان الكثيرون يحذرون منه، من أن الاستمرار في النهج الحالي في إدارة الدولة أوصلنا للزاوية. ليس هذا وقت تبادل الاتهامات، فالوطن بحاجة لجهد تشاركي من الجميع للخروج من الازمة، ولم يعد بالامكان لحكومة معينة ان تفعل ذلك وحدها. لدينا مشكلة حقيقية، وهي سياسية كما هي اقتصادية بامتياز، ولن تحل لا بالانكار ولا بالشعبوية ولا بالتعنت، بل باتباع نهج جديد يقنع المواطن ان الجديد لن يكون كما القديم، وأن المواطن شريك حقيقي في عملية صنع القرار، فالوعود المؤجلة وحدها بغد أفضل لن تقنع الناس دون إشراكهم في وضع خطط مستقبلهم.