التعددية الحزبية مطلبا اصلاحيا أم ضرورة ديمقراطية؟
- الخميس-2011-08-07 19:06:00 |
أخبار البلد -
هناك شريحة واسعة من المجتمع تحمل بين طياتها انطباع سيء ضد كلمة ( الحزب ) ولهذه الثقافة السلبية عوامل ومبررات أوجدتها في الذاكرة ممارسات بعض الأحزاب التي بدأت بدايات غير موفقة في إيجاد موطئ قدم لها على الساحة السياسية الحزبية والتي أخذت من النزعات الدينية درع لحمايتها في شق طريقها ، إلا إن طريقها تعثر فساهمت في ترسيخ الآثار السلبية لنظرة المجتمع للحزب ، يضاف إلى ذلك الرؤية العشائرية القبيلة التي تضعف المؤسسة الحزبية كخطر يهدد وجودها ونفوذها في أركان الدولة ، كما أن الثقافة الحزبية لدى الأفراد لم تترسخ بالمفهوم الشامل والسبب يعود إلى إدارة الأحزاب لبرامجها وشعاراتها وطرق ترسيخ رسالتها الاعلاميه ، ونجد الآن نسبة كبيرة من المجتمع لم يتحدد لديها مفهوما واضحا للحزب من حيث دلالاته الإصلاحية والمنهج الفكري القائم علية ومدى إمكانيته في تحقيق برامجه الإصلاحية .
إن العمل الحزبي هو توزيع السلطة ضمن أسس ومعايير سياسية وتنموية منظمة ؛ تساعد على تمكين المؤسسات الحكومية في تُطبق مبدأ العدالة للجميع ، وهي عاملا مهما في إيجاد مخرجات صحيحة وسليمة وواقعية للحياة السياسية في الدولة، إذا ما تم إدارتها بشكل تنظيمي يحقق مصالح عامة للبلاد، وهي تُشكل منظومة متكاملة من الآراء هدفها دراسة الواقع السياسي ، والاقتصادي والإداري ، وكافة جوانب الحياة لمعالجة مواطن الخلل ، من أجل إرساء قواعد الديمقراطية ، والعمل الهادف الذي يحقق مصالح الوطن ، وهي ترجمة حقيقة لواقع الحال الذي نعيش ، باعتبار أن العمل الحزبي هو عامل بناء للمجتمعات لا سببا في التفرقة والخصومات ، وهو دخول مشروع في صياغة مفاهيم جديدة ، يؤدي إلى رفعة المجتمعات ورقيها وهو سبيل للحرية والديمقراطية والمساواة والعدالة بين كافة شرائح المجتمع ومؤسساته .
ويرى البعض بأن التعددية الحزبية المطروحة حاليا للتداول قد لا تنسجم معظمها مع هذا المفهوم ، كون عملية الإصلاح ومعالجة الخلل السياسي والاقتصادي وتفشي الفساد قد يختلف طرق معالجتة من حزب لآخر ، وان الشعارات والأهداف التي تروج لها الأحزاب باتت تؤرق المواطن لأنها لا زالت تراوح مكانها ولم تأت بجديد ، ومنها من جاء بأفكار ومسارات لم تكن ضمن الطرح الوطني المطلوب في ظل انحسار المفهوم الشامل للانتماء الحزبي ، ويعتبرون التعددية الحزبية مدخلا للتفرقة ونظاما يصعب قراءة مستقبلة وتحكما للقوى السياسية على القوى الأقل حظا وتمثيلا وهي سبب في عدم الاستقرار السياسي وتغولا على الفئات الصامتة التي قد لا ترى في التعددية الحزبية خيرا ، وإن نقل التجربة الغربية نقلا شكليا لا فعليا دون إدراك المعضلات التي ربما قد تنتج عن ذلك والاكتفاء بالطرح العام التقليدي للتعددية الحزبية سيضعنا في متاهات ، كون هدفهم هو البحث عن دور محوري لرسم سياسات الدولة ، والمعضلة تكمن في مدى قناعة المواطن بالأحزاب ، وقبوله بمبدأ التعددية الحزبية ، وأهم من ذلك افتقار المواطن للثقة بالأحزاب شكلا ومضمونا ، وأهم نتاجها عزوف المواطن عن المشاركة الفاعلة في الآلية الانتخابية ونسبة المشاركين فيها .
في حين يؤيد آخرون التعددية الحزبية ويرون بأنها السبيل الوحيد لحل المشاكل وضمانة لتحقيق النهضة والعدالة وحرية الرأي والفكر ، وهي سببا في الاستقرار السياسي لأنها تمثل منهجا لرسم سياسات الدولة وبالتالي طرح هذه العملية ضمن الآلية الانتخابية التي ستصل من خلالها إلى تشكيل حكومات مستقبلية على أساس التعددية الحزبية ، ويعتبرون الآلية المتبعة والنهج الحالي في تشكيل الحكومات وما يتبعها من ملفات للفساد إنما هي عصر الاستبداد والتبعية، وهي تمثل حلقة سيئة من حلقات العقد السياسي وتخلفا فكريا ، وهي إقصاء للنظم الحزبية من النخب السياسية التي ترتبط بالدولة أو بالحكومة ، وان كل من يؤيد هذا النهج يعتبر رجعيا ولا يرغب بالانفتاح والتحرر السياسي والفكري كونهم سقطوا في أحضان النظام وهم المستفيدين منه .
إن التجارب السياسية المؤلمة في عدد من الدول أثبتت أن العمل الحزبي إما أن يكون مدخلا للنهوض بالأمة أو سببا في إعاقة النمو السياسي وهذا يعود إلى منهجية الحزب ومبادئه ومدى تطبيق البرامج والأهداف ، وهنا لا يمكن الحكم مسبقا على سلبيات وايجابيات الحزب من خلال الممارسات العامة له خاصة إذا كان هذا الحزب يمثل خصما للدولة وطرحه لا يروق للكثير . وحتى الأحزاب التي تبدي مرونة في التعامل مع كل الأطراف لا يعد ضمانا لها للاستمرار في هذا النهج من خلال الشعارات ، أو رسالة الحزب الإعلامية ، فربما تطغى سلبيات الحزب على الواقع السياسي والتي كانت طي الكتمان ، وهذا ليس تشكيكا في وجود هذه النوايا وإنما تخوفا مشروعا للمواطن وللدولة على حد سواء.
إن العمل الحزبي ليس صراعا ولا تخاصما فيما بين الأحزاب بل يجب أن يكون هناك تناغم سياسي بين أسس الطرح الحزبي وبين واقع الحياة والظروف التي تحيط بالدولة لأن الاختلاف الكبير بين نظرية الحزب ونظرية الدولة إن وجد يعد تعطيلا لتطور الحياة السياسية ، ومدخلا غير مستحسن في صياغة المفاهيم العامة للدولة ، إذا أخذنا بعين الاعتبار هيكلية النظام القائم في العديد من الدول التي لم تجرب العمل الحزبي ، كمخرجات لتشكيل حكومة منتخبة وتسعى إلى ذلك .
إن الهدف من التعددية الحزبية التي سيتم على أساسها إجراء انتخابات برلمانية حزبية : هو صياغة حياة سياسية آمنه تسعى إلى إيجاد تنافسية حرة ضمن أسس واقعية منظمة عادلة للجميع بين المواطنين وبين الأحزاب والكتل السياسية . على أن تراعي هذه الأحزاب ضمان الحقوق السياسية للمواطنيين والمحافظة على مكتسبات الدولة ، واحترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية ، واحترام الدول ومراعاة مصالحها .
يجب على الأحزاب القبول بمبدأ تقاسم العمل المشترك ، وذلك تطبيقا للديمقراطية وحرية الرأي والفكر، والمشاركة السياسية للأفراد الذين يشكلون ملتقى العمل الديمقراطي ، فوجود أحزاب سياسية متعددة في الدولة لا يعد سببا في عدم الاستقرار السياسي ، أذا ما تم توجيه هذه الأحزاب إلى التنافس الحر وليس إلى المناكفة ووضع العراقيل .
وأخيرا لا بد من طرح جملة من الأسئلة أترك إجابتها للقارئ وهي:
- هل التعددية الحزبية باتت مطلبا إصلاحيا أم ضرورة ديمقراطية ؟ وهل الشعارات والأفكار التي يطرحها الحزب على ضوء التطبيق العملي في الميدان مؤشر على قبول الآخرين بها؟
- ما هي حجم ثقة المواطن في مقدرة الحزب على إيجاد الحلول للمشاكل والاختلالات السياسية والإدارية في الدولة ؟ وهل هي قادرة على تشكيل حكومات مستقبلية لإدارة شؤون البلاد ؟
- هل النظرية الحزبية قد تم استيعابها وقبولها شكلا ومضمونا بشكل واسع أم أنها لا تزال نظريات ؟
Khalaf_alkhaldi@yahoo.com