أخبار البلد -
بعدما بدأت الفرق الوزارية جولاتها على محافظات المملكة لإطلاع المواطنين على تفصيلات قانون ضريبة الدخل المعدل لسنة 2018 والمطروح حالياً على ديوان التشريع والرأي لأخذ المشورة وإجراء حوار وطني شامل مع كل الفعاليات الاقتصادية ومؤسسات المجتمع وجد البعض أن هذه الزيارات جاءت لتسويق وترويج القانون على حساب وعي الناس وفقرهم وأنه لن يكتب لها النجاح وستواجه بالرفض والاعتراض والمقاطعة وطالب كثيرين بوقفها
لأن مسودة القانون هي تكرار للقانون الذي اقترحته الحكومة السابقة وأن مشروع القانون الجديد لا يشتمل على تغييرات جوهرية ما يمثّل استفزازًا للمواطنين من قبل حكومة الرزاز الذين وجدوا فيها خيبت أمال جديدة للشارع حيث لم تختلف كثيرًا عن حكومة هاني الملقي التي قدمت استقالتها في حزيران الماضي على وقع احتجاجات شعبية حاشدة رافضة لمشروع قانون ضريبة الدخل نفسه وما حديث الحكومة بأن الضريبة المفروضة لن تمس قطاعات واسعة من الشعب إلا كلام مضلل وغير دقيق فمن يدفع ثمن هذه الضرائب الباهظة في النهاية هو المواطن البسيط فلم يعد أحد يحتمل الوضع أو يقبل الأعذار والمبررات التي تسوقها الحكومة لفرض مزيد من الضرائب ولا بد من البحث عن مخرج عملي يقي البلاد من حالة الانغلاق الاقتصاد التي توشك أن تغرق فيها بفعل السياسات الاقتصادية المتخبطة وعلى رأسها تحسين وتطوير بيئة الاستثمار في ظل بلوغ حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في المملكة 1.2 مليار دينار خلال العام 2017
ما لاقاه الوزراء في بعض المحافظات من سوء استقبال ومقاطعة ومعاملة عنيقة وسلوك غير معهود كان متوقعاً نتيجة ضغوط الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطن وأن ما حدث جاء تعبيرا من المواطنين عن رفضهم لهذا القانون وهو عمل مشروع في ظل الديمقراطية بعدما ألقت الحكومة الجديدة الكرة في ملعب المواطنين قبل إحالة القانون بشكل قطعي ورسمي الى مجلس النواب لتحميلهم مسؤولية إفشال الحوار والتواصل المنشود حول قانون جباية محض فيه تغول كبير وتعدي جسيم على جيوب المواطنين وأرزاقهم واستثماراتهم غير عادل ولا منصف للطبقة الوسطى ولا يحقق التكافل الاجتماعي ومرفوض أصلا ومثير للجدل والشكوك والإحباط والتباطوء وكيف لا تتعامل الحكومة بنفس السرعة والقوة والاهتمام مع المشاريع التنموية والإنتاجية لمعالجة قضايا البطالة والفقر واسترجاع الأموال والمقدرات المنهوبة لان عوائدها هائلة مقابل عوائد القانون إضافة إلى محاربة الفساد والبدء بعملية الإصلاح الحقيقي وتحسين الخدمات ورفع مستوى المعيشة ورفض التبعية الحكومية لاملاءات صندوق النقد الدولي المتمثلة بصيغة قانون ضريبة دخل مشوه ومنسلخ عن الواقع الأردني فهما وتطبيقا فلا زال الصندوق يمارس ضغوطاته على الدولة والحكومة لتمرير مشروع قانون ضريبة الدخل مما جعل رئيس الوزراء يقع تحت حالة مربكة من الضغط الشعبي من جهة و ضغط صندوق النقد الدولي من جهة أخرى بعد اشتراطه على الحكومة السابقة تعديل قانون ضريبة الدخل لتنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادي المبرم بين الجانبين منذ عام 2016
ما جرى من حالة احتقان وشد وجذب وتوترات عاصفة في النقاشات مع الوفود الحكومية التي أعلنها المحتجون على معدل الضريبة والتي فاقت التصورات وخرجت عن التوقعات للتعبير عن مواقف متشدد وحازمة إزاء رفض القانون أثارت حالة من الجدل السياسي الحاد خاصة عقب تراشق الحضور الكلام مع الفريق الحكومي بجرعات متتالية من الاتهامات بالتقصير وتهميش الرأي العام لقرارات الحكومة وطرد وانسحاب وفود حكومية من اللقاءات مما يؤكد على ان توجه الحكومة لعقد لقاءات مع المواطنين لم يكن مدروس وغير صائب في الأساس وليس في مكانه في ظل هذه الأجواء العامة المشحونة بالتوتر وعدم الرضي والغضب وأن الإصرار على إرسال هذا القانون بصيغته الحالية الى مجلس النواب لإقراره سيزيد معاناة المواطنين الذين يطالبون بتعديله ومنح إعفاءات أكبر في قطاعات الصحة والتعليم والنقل وغيرها والقانون يزيد من اعباء المواطنين ويضر بشكل أكبر الطبقات المتوسطة والفقيرة والتي ستتأثر بشكل مباشر من ضرائب الأسر والأفراد أو بشكل غير مباشر من ضرائب الشركات والقطاعات التي قد تؤدي أيضًا إلى رفع أسعار المقدمة في النهاية للمواطنين من أجل سد الضريبة
وتشكل هذه الظاهرة المستجدة على واقعنا نذير شؤم وجرس إنذار وخطر يشي بما هو اعنف وأصعب لما قد يكون عليه الحال بعد إقرار القانون ودخوله حيز التنفيذ ودعوة البعض للعودة إلى الشارع والاعتصام المفتوح رفضًا لسياسات الحكومة الاقتصادية ما يجعل المشهد مفتوحًا على سيناريوهات متعدّدة في ظل تصاعد حالة الاحتقان في مختلف المحافظات مما يستدعي مزيد من الحكومة مزيد من المراجعات والتريث والحذر خاصة بعد انعدام الثقة وتعميق الفجوة بين الحكومة والمواطنين وهو ما ظهر واضحا من خلال حوارات الوزراء مع المواطنين في المحافظات وما واجهوه من أوقات حرجة ومزاج عصبي ساخط بعدما فشلت الحكومة في إقناع الرأي العام بشفافية ونزاهة وصدقيه إجراءاتها فكان الحال أقرب إلى حوار من طرف واحد دون الإنصات لوجهة النظر الحكومية أو احترامها بعدما اصبح واضح ان اللقاءات الوزارية مع المواطنيين في المحافظات من الصعب أن تسفر عن نتيجة مرضية وأن فكرة الحوار حول فرض ضريبة على الناس وإقناعهم بها مهمة صعبة للغاية ومستحيلة لن يتقبلوها وسط دعوات متعددة لعصيان مدني واعتصامات جديدة احتجاجًا على مشروع القانون في وقت تواجه فيه أزمة اقتصادية طاحنة باعتماد موازنتها على الضرائب والرسوم والمساعدات والقروض الخارجية
وقبل ذلك لاقت دعوة الرئيس الرزاز المواطنين إلى تقديم آرائهم وتعليقاتهم على مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد موجة عاتية من التهكم والرفض مما يشير إلى تزايد الاحتقان في الشارع وتعاظم الاستياء من حالة العجز الحكومي عن وقف عجلة الفساد والتسيّب التي يعتبرها معظم المواطنين السبب الرئيسي في تراجع الأوضاع الاقتصادية والعجز المالي الذي تعاني منه ميزانية الدولة التي ارتفعت في العام الجاري لتصل إلى حوالي 40 مليار دولار أمريكي
ومن بعض الانتقادات التي وجهت لمشروع قانون الضريبة الجديد تخفيض الضريبة على قطاع البنوك من 40% إلى 33%، بينما تبقى الضريبة المفروضة على قطاعات أخرى أقل نموّا وربحًا عالية كالقطاع الزراعي والصناعي ما فيه تناقض مع تعهدات الرزاز بأن الحكومة ستمد يدها على جيوب المقتدرين ماليًا فقط وبذلك سوف يقضي القانون الجديد على الطبقتين الوسطى والفقيرة ويزيد عدد الفقراء حيث ينفق المواطن الأردني ما يقارب 25 % من دخله لصالح الضرائب وقد رأى البعض ان مشروع القانون يكرس ويعمق النظام الطبقي بتوسيع الهوة بين الأغنياء والفقراء ولا يراعي مصالح المواطنين ولا أمن واستقرار الوطن بضرورة معالجة الأمور بعيدا عن جيوب المواطنين التي تعتبر الطريق الأسهل والأقصر بالنسبة للحكومة بعدما أظهرت الحكومة نيتها بتوسيع شريحة الخاضعين لضريبة الدخل وتخفيض الإعفاءات للعائلات إلى 16 ألف دينار بدل من 24 ألف دينار حاليا إضافة الى فرض ضريبة على الإيجارات والأرباح الرأسمالية
وخفض المشروع أيضا الدخل للأفراد إلى 8 آلاف دينار بدلا من 12 ألف دينار بالإضافة إلى إلغاء الإعفاءات الإضافية الممنوحة للأسرة والمقدرة بمبلغ 4 آلاف دينار الممنوحة حاليا بدل فواتير استشفاء وتعليم مما سيؤدي إلى المزيد من الانكماش الاقتصادي وتراجع القوة الشرائية المتواضعة إلى جانب تدني مستوى الدخل و الذي يذهب جزءا كبيرا منه لضريبة المبيعات على السلع والخدمات وبكل تأكيد سيكون للقانون أثر سلبي على الواقع الاستثماري المحلي والأجنبي وسيسهل توسيع قاعدة التهرب الضريبي ومشروع قانون ضريبة الدخل أصلا يجب ان لا يكون منفرد بل ضمن خطة إصلاح اقتصادي شاملة دون التأثير السلبي على واقع النشاط الاقتصادي الذي يعاني من ظروف صعبة بفعل الأحداث السياسية التي تشهدها المنطقة
لعل دولة الرزاز ينتصر للإرادة الشعبية ولا يستفز المواطنين بالاستعجال في إرسال مسودة القانون إلى مجلس الأمة بفتح الأبواب لمزيد من الحوار والدراسة المتخصصة وإعادة القانون وتعديله بصورة ترضي المواطنين بحيث يشعر المواطن بالعدالة والإنصاف بما يخفف عن كاهله ويحس بان الحكومة جادة في الإصلاح ومحاربة الفساد لان العودة إلى الدوار الرابع هذه المرة ستكون ليست كسابقتها لا بالحجم ولا بالتأثير وربما النتائج
ومن المأمول أكثر من السادة النواب في حال وصل مشروع القانون إليهم المبادرة الى إجراء تعديلات جوهرية عليه تتعلق بالشرائح التي تشملها الضريبة وبنسبتها وزيادة الضريبة على قطاع البنوك والوقوف بحزم للدفاع عن المواطنين متوسطي ومحدودي الدخل
وفي النهاية إننا على يقين بأن الشعب لا يريد مزيد من الاعتصامات والاحتقان ولا المظاهرات ولا العصيان المدني ولا الإضرابات الشعب يريد من الحكومة القيام بواجباتها وتنفيذ ما وعدت به أثناء مناقشة الثقة في مجلس النواب ووضع حد لتغول المتنفذين على المال العام ومراعاة حال الناس في ظل تزايد الضرائب والرسوم والارتفاع الجنوني للأسعار ومحدودية الدخل
وأننا أحوج في الأردن بلد الخير العزيز من أي وقت مضى الى تمتين جبهتنا الداخلية وحماية مقدرتنا ومكتسباتنا الوطنية والابتعاد عن إثارة القلاقل والنزاعات أو نقل لغة الحوار الى الفرقة والاصطدام والقطيعة والبعد عن لغة التحريض التخوين واللجوء الى العنف والشدة لأن الوطن أغلى وأعلى من أي قرارات أو قوانين حكومية والانحياز دائما الى منطق الحوار البناء الذي ينتج عنه المقترحات والتوصيات و ضرورة احترام الرأي وبمسؤولية وعدم التعدي على حرية الآخرين
عاش الأردن حرا أبيا عزيزا شامخا بين اقرانه بشعبه وأرضه وقيادته وبصدق انتماء ابنائه وبوجود جيشه الأبي المصطفوي وأجهزته الأمنية درع الوطن وسياجه
mahdimubarak@gmail.com