أخبار البلد -
من جديد تقدمت المحكمة الجنائية الدولية بمذكرة موجهة إلى الأردن تطالب فيها حضوره جلسات استماع ستعقد على مدى ثلاثة أيام بدءاً من يوم الاثنين الموافق 10 أيلول 2018 إلى الأربعاء الموافق 12 من ذات الشهر من أجل سماع التقديمات والملاحظات بشأن استئناف الأردن على قرار المحكمة الجنائية الدولية بإحالته لمجلس الأمن الدولي
بسبب تقاعسه عن تنفيذ أمر اعتقال صادر بحق الرئيس السوداني عمر البشير عندما شارك في القمة العربية التي عقدت بالعاصمة عمّان في مارس 2017 حيث استندت المحكمة على ميثاق روما والأدلة المتوفرة لديها بعد التحقيق في الجرائم المرتكبة من قبل البشير وانه مطلوب للعدالة بتهمة تورطه في ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب تشمل الاغتصاب على نطاق موسع والقتل والتعذيب وانتهاك القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في دارفور والذي قضيته كانت سابقة لحكم البشير بأكثر من عشرين سنة حيث كان ملف دارفور الأول من نوعه يُحال من مجلس الأمن إلى المحكمة الجنائية الدولية سنة 2005
وكان الأردن في حينه وقبل بدء إعمال مؤتمر القمة العربي أعلن بوضوح وصراحة انه لن يستجيب لدعوة منظمة 'هيومن رايتس ووتش' الأمريكية التي طالبت فيها بمنع دخول الرئيس السوداني عمر البشير إلى الأراضي الأردنية للمشاركة بالقمة ولم يعتذر الرئيس السوداني عمر البشير حينها عن الحضور و كذلك رفض الأردن مجرد مناقشة طلب احتجازه وتوقيفه وقد بررت المنظمة طلبها هذا بأن البشير هارب من المحكمة الجنائية الدولية منذ 2009 إذ أصدرت المحكمة ضده مذكرتي توقيف في 2009 و2010
واستند الأردن في موقفه برفض اعتقال او تسليم البشير إلى اتفاقية تأسيس الجامعة العربية للعام 1953 التي منحت رؤساء الدول العربية الحصانة القانونية ووقع عليها الأردن والسودان وتعد الوثيقة أساسا كافيا لمنع تسليم الأردن البشير للمحكمة رغم عضوية الأردن في اتفاق روما بل وفوق كل ذلك قال المتحدث الرسمي بأسم الحكومة الاردنية إن الرئيس البشير مرحب به لزيارة الأردن وانه تم دعوته بشكل رسمي لحضور قمة عمّان واستقبل بحفاوة ومراسم رئاسية كغيره من رؤساء الدول المشاركين في القمة وقد امتنعت أيضا الأمانة العامة لجامعة الدول العربية عن التعاون مع قرار الجنائية الدولية وأشارت الى أن طلب تسليم البشير يختص به مجلس الأمن الدولي فقط وليس المحكمة
وقد تنقل الرئيس البشير بين العديد من العواصم في العالم غير آبه بدعوات المتلاحقة لتوقيفه وأعلن مراراً تحديه للمحكمة الجنائيه وعدم الاعتراف بولايتها وان الحكومة السودانية ترفض الاعتراف بالمحكمة الجنائية الدولية وتراها أداة استعمارية تؤسس لاستعمار جديد بألوان وصيغ متجددة وان آليات عملها تشكل قضاء انتقائي يستهدف الأفارقة دون غيرهم من دول العالم المتقدم ووصف بعض المحللين السياسيين والقانونيين ما يجري داخل أروقة محكمة الجنايات الدولية بأنه عدالة الأقوياء على الضعفاء بالتغاضي عن جرائم تحدث في دُوِّلَ الْكُرَةُ الْأَرْضِيَّةُ قاطبة مقابل التركيز على الدول الإفريقية ودول العالم الثالث وخلص البعض الأخر إلى أن هنالك تحامل مبيت من المحكمة على البلدان الأفريقية مما اضطر بعضها الى التهديد بالانسحاب من عضويتها مثل كينيا وجنوب أفريقيا وقد انسحبت بوروندي بالفعل منها وساد شكوك عامة حول حيادية المحكمة ووجود دوافع أو حسابات سياسية بخصوص مذكرات التوقيف المتعلقة بالرئيس البشير وغيره من الزعماء الافارقة
وبالعودة الى طلب المحكمة اتجاه الأردن ترجع بنا الحسابات الى الماضي قبل عام تقريبا نجد ان هذا القرار يثير الاستغراب والشكوك حول دوافعه وتوقيته والظروف الدولية والإقليمية والمحلية التي أحاطت بالمنطقة عند إحالة المحكمة الجنائية الدولية الأردن إلى مجلس الأمن الدولي لعدم تعاونه في اعتقال الرئيس السوداني عمر البشير رغم زيارته قبل ذلك لروسيا ودول خليجية ولسعودية و تشاد وكينيا وجيبوتي وملاوي ونيجيريا وجنوب أفريقيا وشارك في مؤتمر القمة الأفريقي أكثر من مرة وجميعها موقعة على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية فلماذا يحال الأردن لمجلس الأمن دون غير مما يعزز قناعاتنا بأن قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق الأردن هو سياسي محض وليس له أي صبغة قانونية ويؤكد ازدواجية المعايير وغياب العدالة حتى في المؤسسات القانونية الدولية نتيجة الضغوطات التي تمارسها الإدارة الأمريكية في سياق سياساتها الخارجية المعادية للأمة العربية والإسلامية دون مراعاة أو احترام للقوانين الدولية أو الأعراف السياسية
القرار جاء كردة فعل أمريكية غاضبة ومتسرعة وبتحريض كامل من إسرائيل على موقف القيادة والشعب الأردني من قرار الرئيس الأمريكي نقل السفارة الأمريكية إلى القدس تنفيذا لقرار الكونغرس الأمريكي الذي اتخذ في العام 1995 استكمالاً لاعتراف الرئيس الأميركي بالمدينة عاصمة لإسرائيل مما يؤكد ايضا صبيانية العبث السياسي الأجوف الذي لا قيمة ولا طائل عمليا منه سوى إحراج الأردن دوليا وان أمريكا وإسرائيل ليست أعضاء في المحكمة الجنائية كونهم معرضتين إلى المساءلة أمام هذه المحكمة لجرائم ارتكبتاه ومن الجدير التذكير هنا بأنه لم ينفذ أي قرار لمجلس الأمن منذ 1948 فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية ومن المؤكد ان إسرائيل أو أحد أعوانها قامت بتحريك المحكمة الجنائية ضد الأردن كون البشير زار دولا عدة من فبل كما أسلفنا ولم تسجل عليها قضايا ولم يتخذ أي إجراء بحقها وقد كان هذا القرار مجحف بحق الأردن والتي التزمت دائما بجميع القرارات الدولية وفي جميع الأوقات ولم يأخذ القرار بعين الاعتبار أن للرئيس السوداني حصانات بموجب القانون الدولي والسؤال المطروح اليوم بإلحاح شديد هل الهيئات والمنظمات الدولية باتت ألعوبة بادي لوبيات صهيونية وأمريكية خفية تحركها ضد دول العالم للحصول على مكاسب سياسية أو للضغط عليها لتغيير مواقفها واننا نرى مجددا ان لا معنى لمثل هذا القرار الصادر عن محكمة الجنايات الدولية التي فشلت في اتخاذ قرار واحد بحق جرائم الإبادة وإرهاب الدولة واستخدام الأسلحة الممنوعة دوليا بحق الشعب الفلسطيني الأعزل في ازدواجية مخجلة وغير مبررة وأين هي المحكمة الموقرة عن المذابح والمجازر التي تجتاح العالم والإجرام الذي تنفذه كيانات ودول ضد شعوبها وسياسات الابرتهايد والتطهير العرقي وجرائم الإبادة في إسرائيل وبورما وسواهما وأين هي عن الدول الكبرى والصغرى التي تضرب بقراراتها عرض الحائط ولا نقيم لها أي وزن
وكما هو ديدننا أبدا سنبقى نحن الأردنيين أوفياء لقيادتنا ووطنا وثوابتنا نقف بصلابة خلف موقف الأردن بقيادة جلالة الملك باعتبار القرار الأميركي بنقل سفارة الولايات المتحدة الى القدس هو قرار باطل ومنعدم الأثر القانوني ويضر في عملية السلام ولا يخدم سوى القوى المتطرفة وان استمرار غياب الحل العادل للقضية الفلسطينية يسبب الإحباط واليأس ويغذي التطرف في المنطقة وأننا سنظل ندافع بقوة وبسالة عن بقاء الوصاية الهاشمية على المقدسات في القدس والتي أبرمت بموجب معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية وادي عربة حيث تعترف بموجبها إسرائيل بوصاية المملكة على الأماكن المقدسة التي كانت تتبع إداريا الأردن قبل احتلالها عام1967 وإننا الآن اكثر يقين بان الضغوطات الأمريكية والإسرائيلية وبعض الدول الخليجية لن تتوقف عند هذا القرار وسوف تستمر بهدف عزل الأردن سياسيا والتأثير عليه اقتصاديا وتفتيت جبهته الداخلية وإضعاف هيبة الحكم فيه وإشغاله بالتحديات والظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة موقفه من نقل السفارة وصفقة القرن
وخلاصة القول ان الأردن لا زال يبذل جهودها السياسية والدبلوماسية ملك قوة ومنذ اعلان ترامب عن قراره ويكذب كل الأحاديث التي تقول بقبوله لصفقة القرن وان الموقف الأردني اتجاه فلسطين ثابت وراسح لن يتزجزج رغم الضغوطات المستمرة وتخاذل الكثيرين
رب اجعل هذا البلد امنا
mahdimubarak@gmail.com