ليس غريبا حالة الصمت والسكون التي سادت الأمتين العربية والإسلامية طوال الأسبوع الماضي، تجاه ما تتعرض له مدينة القدس المحتلة جراء سياسات الاحتلال الصهيوني الفاشية والاعتداءات اليومية على المقدسات الإسلامية والمسيحية فيها، ومنع الأذان في المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى وثالث أطهر المساجد على وجه المعمورة.
بالنسبة لنا فقد اعتدنا على حالات الصمت تلك، وربما سيكون مفاجئا لو سمعنا مواقف تخرج عن نطاق الصمت، فقد خبرنا صمت العرب في أوقات سابقة، وخبرنا تصريحات خرجت من البعض في سنوات سابقة ترفض أي تحرّش بالكيان الصهيوني، ويغيب عن أولئك إدانة من يقتل البشر ويخلع الشجر ويغلق الأقصى ويحتل الأرض.
هي وحدها عمان تفردت سياسيا وشعبيا بمواقف مخالفة لحالة الصمت الذي خبرناها خلال الأيام الماضية والتي عانى منها الجميع، فخرجت متضامنة مع الأقصى وتحرك نوابها رافضين، ففي الوقت الذي اكتفى فيه العرب بتصريحات مقتضبة خجولة أو إدانات أكثر خجلا، كانت عمان الأقرب والأكثر حضورا في المشهد العربي، وأثبتت انها والقدس حجرتا قلب في جسد واحد.
الغياب العربي لم يكن رسميا فقط، وإنما غاب بالمعية (شيوخ الفضائيات)، من أمثال عائض القرني والعريفي ومحمد حسان وعمرو خالد والعرعور، وغيرهم الكثير، ولم نسمع منهم ولو كلمة واحدة حول ما يجري في أحد أقدس مقدسات المسلمين الذي بارك الله حوله، وهم الذين صدعوا رؤوسنا سابقا بفتاواهم وتحريضهم المذهبي والطائفي عندما كان الأمر يتعلق بسورية أو بالعراق أو اليمن.
شيوخ الفضائيات أولئك، أسقط في أيديهم فغابوا، ولم نشاهدهم إعلاميا، وكأنهم غير معنيين بما يجري في القدس والأقصى، وكأن مهمتهم كانت محصورة فقط بتحريض شباب الأمة على "الجهاد" في سورية والعراق !!، ونصرة المسلمين هناك فقط، والالتحاق بصفوف "المجاهدين"! في تلك المناطق، باعتبار ان المتواجدين في القدس خلاف ذلك!!
غياب أولئك ومن على شاكلتهم عن المشهد الفلسطيني، وكأن القدس لا تعنيهم، وكأن من يقف في وجه الصهانية هناك خارج حساباتهم، يدلّل على أن البعض كان يريد استثمار أزمة العراق وسورية لإزاحة البوصلة عن لبّ الصراع الحقيقي والمتمثل بوجود الكيان الصهيوني كآخر استعمار على وجه المعمورة، وإبعاد كل من يؤمن بضرورة بقاء البوصلة تشير إلى القدس، عن المشهد وشيطنته بشتى الوسائل المتاحة وغير المتاحة، وإبعاده عن هدفه الرئيس عبر زرع إلغام له في كل مكان حتى يبقى مشغولا بها، فلا ضير من تصوير الصراعات صراعات مذهبية ما دام الأمر يؤمن إزاحة البوصلة عن إسرائيل، ولا ضير من تصوير الصراع باتجاهات أخرى إن كان هذا يحقق الهدف الرئيس.
عندما كتبنا هنا سابقا رافضين السماح لشيوخ الفضائيات أولئك بالحضور إلينا، ومنحهم حق إقامة ندوات لشبابنا وتلويث عقول جيلنا الناشئ بخزعبلات مذهبية هدفها إبعاد البوصلة عن القدس، خرج علينا من يرفض ويشتم ويُكفّر، ويعتبر أولئك "علماء" لا يجوز التعامل معهم بهذا الشكل، فيما اليوم وبعد أن ظهرت حقيقتهم فإن السواد الأكبر بات يتساءل عن سبب غياب أولئك عن الحديث (وهو أقل ما يمكن القيام به) مما يجري في قبلة المسلمين الأولى، وسبب غيابهم عن المشهد، وعدم دعوتهم شباب الأمة للنفير للجهاد في فلسطين كما سبق لهم دعوة الشباب للنفير و"الجهاد" في سورية والعراق؟!.
الحقيقة الثابتة أن ما جري ويجري في الأقصى كشف حقيقة ومواقف دول كثيرة، وكشف بالمعية سواد وجوه شيوخ فضائيات زرعوا طوال سنوات أحقادا مذهبية وفئوية، من خلال ما كانوا يبثونه عبر فضائيات كانت مفتوحة لهم دوما، وليس أدل على ذلك مما أعلنت عنه المملكة المتحدة مؤخرا حول منحها مبالغ بعشرات ملايين الدولارات لأحد الدعاة لدعم برنامجه الفضائي ونشره على الشباب العربي!