أخبار البلد - مصلحتنا مع أهل الخليج
حمادة فراعنة
لا مصلحة لنا وطنية أو قومية ، سياسية أو أمنية ، في الوقوف مع العربية السعودية ضد قطر ، ولا نفعل ما يُرضي قطر حتى لا نخسر السعودية ، ولهذا موقفنا حساس ودقيق ، متوازن ومحايد ، لأكثر من سبب ، ساعدنا على هذا الإختيار ، إنقسام الموقف الخليجي نفسه بين ثلاثة مواقف : 1- موقف السعودية ومعها الإمارات والبحرين التي تربطنا معهم علاقات مميزة ومصالح وطيدة ، ولذلك تجاوبنا معهم ، بأقصى ما نستطيع فعله بدون المس بقطر والتعرض لها ، 2- موقف الكويت وسلطنة عُمان ، اللتان عملتا على تخفيف حدة التوتر وكبح الجماح ، وتقدمتا بمبادرة ملائمة مازالت تفعل أفعالها ، وتحظى برضى دولي ، وقد تجاوبت العاصمة الأردنية مع هذه المبادرة التي يقودها أمير الكويت بحكمة جعلتنا نختبئ وراءها ونتبنى أهدافنا ، 3- موقف قطر التي نختلف معها في العديد من المواقف والسياسات ، ولكننا لا نهوى التصادم وسياسة المحاور والإصطفافات الضيقة ، فالأولوية لنا كأردنيين هي القضية الفلسطينية ، ومواجهة الإرهاب ، بدون التدخل بالشؤون الداخلية للبلدان العربية ، وهذا شأننا في الموقف نحو سوريا واليمن وليبيا ولبنان ، ولذلك إتخذنا من الإجراءات التي لا تقطع الصلة مع الدوحة ، ولا نخسر بسببها بأي طرف ، فالعقاب ذهب نحو " الجزيرة " وليس نحو الدولة القطرية .
موقفنا كأردنيين من الأزمة الخليجية تفرضه علينا ثلاثة عوامل ، تجعلنا متمسكين بموقفنا المتوازن ، والعوامل هي :
أولاً : يشغل الأردن رئاسة القمة العربية ، مما يفرض عليه الحفاظ على مؤسسة القمة وعدم تمزيقها بالصراعات البينية المفتعلة ، وأن لا يتم ذلك في عهدنا ، نحن الذين نتبنى التوازن والحياد والحلول العربية لمشاكل العرب ، ومع كل من يصطدم مع مصالح العرب من حولنا ( التدقيق بقراءة قرارات قمة البحر الميت ، يظهر هذا الموقف العقلاني الحكيم ) .
ثانياً : لدينا مصالح مباشرة من العمالة الأردنية لدى أغلبية البلدان الخليجية ، علينا الحفاظ على تواجدها ، وأن تجد المعاملة اللائقة ، فليس لدينا ترف التلاعب بمصالح وأرزاق الأردنيين العاملين هناك في السعودية كما في قطر ، وفي الإمارات كما في الكويت ، وما بينهم ، وعلينا أن ندرك أن حاضنة العمالة الأردنية هي بلدان الخليج العربي ، جميعها بلا إستثناء بما فيهم اليمن ، ولذلك يجب أن تكون توجهاتنا الإستراتيجية هي تفعيل التعاون والنشاط والعمالة الأردنية هناك ، وأن تعطى لها الأولوية لأنها مصدر دخلنا ، ورافعة إقتصادنا ، كانت ولا تزال ويجب أن تبقى .
ثالثاً : إدراكنا العميق أن حساسية السعودية مفرطة ، وقد يكون لها الحق من وجهة نظر مصالحها ورؤيتها وأولوياتها ، ولكنها لم تفعل ذلك بدون ضوء أخضر أميركي ، فالإنفجار الذي حصل يوم 5 حزيران 2017 ، بعد زيارة ترامب المدمرة وقممه الثلاثة في الرياض ، أيام 20 و 21 و 22 أيار ، هي التي فجرت الأزمة ، وواشنطن ليست بريئة مما حدث ، وليست بريئة من العمل على قبض الثمن من ثراء الخليج وأطماعها من صناديقه السيادية .
قطر لم تكن بعيدة عن الإندماج والتفاهم مع السياسة الأميركية في عهدي بوش وأوباما ولم تفعل شيئاً يتصادم مع المصالح والرؤى الأميركية خاصة مع مؤسستي البنتاغون والمخابرات المركزية ، ولكن الشيء الجديد هو تغير السياسة الأميركية في عهد ترامب الذي يحتاج للتدرج من أجل التوافق مع هذه السياسة لا أن يظهر إنقلاب في سياسات أصدقاء واشنطن مع سرعة تغيير سياسات البيت الأبيض الذي طرأ عليها إنقلاب .
خلال حملته الإنتخابية التي هزم فيها ترامب خصومه الخمسة عشر من الجمهوريين ، وهزم منافسته الديمقراطية كلينتون أعلن ترامب أن البنى التحتية الأميركية متأكلة وتحتاج لترميم ، وأعلن أنه سيقوم بالترميم بدون أن يكلف دافع الضرائب الأميركي دولار واحد ، وحينما سُئل من أين ستأتي بالمال ؟ أجاب بوضوح من منتجي النفط ، من أثرياء الخليج !! وقال بحقهم ما لا يُقال ، وهكذا ، فعل ما فعل ، وينوي الإستمرار بما فعل مع أثرياء الخليج وأن يدفعوا ثمن حماية أنظمتهم ، ولذلك لا مصلحة لنا بمساعدة ترامب على إبتزاز الأشقاء الخليجيين ، فما حصل منهم ومعهم يبقوا أشقاء من لحمنا ودمنا ، لن نتورط على إبتزازهم ، لا مصلحة لنا في ذلك ، لا مصلحة لنا في إنقسام الخليجيين ، لا مصلحة لنا بالإنحياز لبعضهم ضد بعضهم الأخر ، وهو موقف حكيم وشجاع نتباهى به ، ونفتخر .
h.faraneh@yahoo.com