أخبار البلد -
قبل حوالي أربعين سنة كنا مخدوعين ببوت القماش الأسود الصيني ذات الخطوط البيضاء ماركة (أبو إصبع) أو أبو الرباط الطويل, وكان من يحصل عليه بعد معركة طويلة ومريرة مع الأهل كان يقدم له التبريك والتهنئة من قبل بعض الزملاء على هذا الانجاز العظيم,..كان يمثل لنا هذا البوت الصيني حدثا كبيرا, وكان هذا الحدث يتكرر كل عام مرة وغالبا ما يكون في بداية العام الدراسي, وكنا كل سنة وعند الذهاب لدكانة أبو العبد لشراء البوت الصيني نُخبره خبرا سارا وهو زيادة مقدارها نمرة واحدة عن نمرة العام الماضي على اعتبار أنه بزيادة نمرة إضافية للبوت الصيني ستزداد عدد الأهداف هدفا واحدا عن أهداف العام الماضي والتي سنقوم بتسجيلها في الفريق المضاد, هكذا على الأقل كنا نعتقد, كنا أثناء ذهابنا للمدرسة بالبوت الصيني نمشي بثقة وكبرياء (وعلو) كونه بأرضية مطاطية بلاستيكية تلتصق بها مجموعة من الأصابع المطاطية الصلبة.
كنا نقوم بالاطمئنان على البوت الصيني في منتصف الليل أكثر من مرة, وللاطمئنان أكثر كنا نجعله قريبا من آماكن نومنا, كيف لا وقد كان له العديد من الاستخدامات منها تسجيل أهداف التسلل بوجود أصابع الاتهام, والزحلقة به على أدراج المدرسة بعد ذوبان أصابع أرضيته, والتفحيط به في كاليدور المدرسة بعد هريان أرضيته المطاطية, وقبل انتهاء صلاحيته بشهر تقريبا كنا ننتزع رباط (قيطان) البوت لنكّتف به الكتب المدرسية لعدم وجود الحقائب المدرسية مع معظمنا,..نعم كنا نتفنن في أشكال إدخال وإخراج هذا الرباط من والى ثقوب هذا البوت العديدة, طبعا كان للبوت الصيني عدة أشكال للربط منها: ربطة المنتصف, وربطة المستقيم المائل, وربطة الاكس بلاعقدة, وربطة المستطيل, وربطة النصر, إلى غير ذلك من طرق وأشكال للربط.
اليوم وبعد مرور هذه الأعوام الطويلة اكتشفنا واكتشافنا متأخر أن البوت الصيني قد أورثنا مآسي كثيرة, أورثنا مأساة التفحيط بالسيارات, وأورثنا مأساة فطريات أصابع القدمين, وأورثنا مأساة رائحة القدمين, والسبب ليس لعدم لبسنا الجرابات, إنما السبب دون ادني شك هو طبيعة أرضية البوت المطاطية البلاستيكية ليس إلا, اعترف هنا بشدة لقد كنا بسطاء وخُدعنا بشكل البوت من الأعلى (قماش اسود صيني بخطوط بيضاء) لكن المصائب كانت في الأسفل والأرضية (مطاط وبلاستك), هذا المطاط والبلاستك يثور عند ارتداءنا البوت في جميع الفصول,...بقي أن نقول: المنافق حالته تشبه تماما حالة البوت الصيني, فهو جميل جدا في ظاهرة وسيء جدا في باطنه.
طبعا, من كان يلبس مثل هذا البوت يكون وكما يقال أبو علي خاله, وأكثر من ذلك كأنه كابتن ماجد زمانه, ولا احد يستطيع قطع الكرة منه أو حتى أخذها, أوالاقتراب منه, والملفت للنظر أننا كنا بصراحة عندما يبلى البوت الصيني ويبدأ بالاستغاثة, كنا نقوم بقص (لسانه), اقصد لسان البوت الواقع من جهة مشط القدم لصنع نقيفة اصطياد عصافير الدويري المنتشرة على أغصان شجر ألكينا, نعم تعلمنا كيف نقص الألسنة المنافقة عفوا البالية في وقت مبكر من حياتنا كلما دعت الحاجة, ..لقد اختفت ألسنة الابوات الصينية من الأسواق والمحال التجارية في الوقت الحاضر, وبقيت للأسف الشديد ألسنة المنافقين تسرح وتمرح في المجالس.