في مقالي السابق بعنوان منتصف الطريق أشرت إلى إشكالية المعاملات العالقة بين متلقي الخدمة الحكومية، والمؤسسات العامة، وركزت على غياب إطار زمني لإنجاز المعاملات، وعدم توضيح الأسباب في حال رفض معاملة ما ، ولكني عدت مرة أخرى لمراجعة الخطط التي تعمل عليها وزارة تطوير القطاع العام، فوجدت فيها ما إن تم تطبيقه حلا لكثير من تلك المشكلات العالقة.
وتذكرت كذلك بعض الدوائر التي أعطت مثلا أعلى في تلبية الخدمة لمراجعيها من بينها دائرة الأحوال المدنية، ودائرة ترخيص السواقين والمركبات، وفي اعتقادي أن أحد أهم أسباب ذلك هو وضوح تفاصيل المعاملات التي يتم اعتمادها للحصول على الخدمة، والتزامها بإطار زمني لإنجاز المعاملات.
والسؤال الكبير هو: هل هناك معاملات ليست مرتبطة بالوثائق والقوانين والأنظمة والمرجعيات المؤسسية؟ والجواب: نعم، فكل معاملة لها أصل، وقد يكمن الخلل في نقص ما بملف المعاملة، وهنا لا بدّ من التوضيح من جانب الإدارة العامة لتصويب الخلل، ولكن ما يحدث غالبا هو عدم الرد، أو الرد المتأخر، وبعد فوات الأوان، حيث يبرز عنصر الزمن غير المحدد للرد على المعاملات محبطاً ومعيقاً وطارداً لأي استثمارات محلية أو أجنبية، ولدينا على ذلك شواهد كثيرة لطالما تحدثنا عنها لعدة سنوات!
أقول هذا وأنا أراقب سعي رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي، وفريقه الوزاري لتحسين الأداء الحكومي وتطويره، ولكن كثرة المفاهيم العامة، والصياغات اللغوية تصرف الانتباه عن تفاصيل قد تبدو صغيرة مع أنها جوهرية، وفي مقدمتها الإطار الزمني للرد على المعاملات، أو ذكر أسباب الرفض حتى يتمكن طالب الخدمة من استكمالها، ولحل هذه المشكلة لا بدّ من تحديد مدة زمنية حسب طبيعة المعاملة للرد عليها، وفي حال عدم ورود رد يعتبر الطلب مجاباً، الأمر الذي يفرض على الدوائر والمؤسسات العامة الشعور بالمسؤولية والمساءلة، وفي ذلك منطلق هام لتحسين الأداء، والجدية والالتزام ومعرفة بتحقيق المصلحة العامة للدولة.
ولعلي في هذا السياق أذكّر بالأوراق الملكية النقاشية التي استندت إليها وزارة تطوير القطاع العام، مثلما استندت إلى العديد من التوصيات، والممارسات الفضلى في رسم السياسات الإدارية، وميثاق تقديم الخدمات الحكومية التي تحض جميعها على التعامل مع طالب الخدمة باحترام واهتمام ولباقة، كأساس لترجمة مفاهيم الإدارة الراقية، وتعزيز روح المواطنة الصالحة إلى واقع ملموس!