لم يكن مروان البرغوثي ارهابياً، ولن يكون، بل بالعكس
كان واقعياً بوعي وقوة، متمسكا بحق شعبه في البقاء على أرض وطنه وتحت سقف الحرية
أسوة بكل شعوب الأرض التي تحوز على قسط من الكرامة والاستقلال، ولأنه يدرك أنه
يمثل الضحية والطرف الضعيف في معادلة الصراع بين المشروعين : الاستعماري التوسعي
العنصري الاسرائيلي وبين مشروع شعبه الوطني الديمقراطي الفلسطيني، لأنه كذلك تحمّل
الاعتقال والإبعاد، وعاد الى فلسطين برفقة الرئيس الراحل ياسر عرفات أبو الوطنية
والهوية، وصاحب مبادرة التسوية، والتوصل الى حل، مع أكثر من ثلاثمائة الف فلسطيني عادوا الى وطنهم بفعل اتفاق أوسلو
التدريجي متعدد المراحل، وتم ذلك وراهن عليه حتى تموز سنة الفين، على أثر مفاوضات
كامب ديفيد برعاية كلينتون بين أبو عمار وايهود براك في شهر تموز 2000، وحصيلتها
الفشل .
عاد أبو عمار من كامب ديفيد، حاملاً رؤية التعديل،
وتحسين شروط التفاوض، لأن سقف المطالب التي قدموها له بشأن القدس واللاجئين لم تصل
الى الحد الأدنى المقبول عرفاتياً وفلسطينياً، ولذلك قرر توسيع قاعدة التحالف
لتشمل حركة حماس ومدها بأسباب الفعل، وراهن أبو عمار على رجاله ورفاقه فأختار
مروان البرغوثي مسؤولاً لتنظيم حركة فتح في الضفة الفلسطينية، وكلفه بادارة
التنظيم والانتفاضة ضد الاحتلال، ودفع
الثمن، بينما بعض رفاقه الذين كانوا مبعدين عادوا معه وقبضوا الثمن، بعد أن تحولوا الى ساسة محترفين وكبار موظفين
كأنهم في دولة مستقلة، يتمتعون بالوظائف والنفوذ والعلاقات، وصدق من قال ان من
يدفع ثمن الثورة مغامر مخلص ويجني ثمارها انتهازي متقلب .
مروان اختار الشق العرفاتي الذي راهن على تغيير موازين
القوى، ولم يحصل ذلك، بل خسر الرهان مع أبو عمار ودفعا الثمن سوية أبو عمار
باغتياله، ومروان باعتقاله بأحكام مؤبدة ثقيلة، ولكنه لم يتراجع ولم يتردد لأنه
انحاز الى الفعل الكفاحي، وتغيير الواقع، والعمل على خلق معطيات جديدة، وهكذا قضى
سنوات طويلة في سجون الاحتلال منفرداً بعيداً عن أسرته التي بقيت وفية له، ولرفاقه
الذين أكرموه، فانتخبوه ونال أغلبية الأصوات في مؤتمري فتح السادس والسابع، 2009 و
2016، وليس هذا وحسب بل تم انتخابه عضواً لدى المجلس التشريعي عام 2006 وهو معتقل،
ورشح نفسه للرئاسة عام 2005، لمنافسة أبو مازن، ولكن رفيقه محمد دحلان بعد أن زاره
خلف القضبان أقنعه بالعدول عن الترشيح وعدم منافسة أبو مازن، وهكذا بقي مروان
معتقلاً وقيادة فتح اختلفت فيما بينها، فخرج محمد دحلان مفصولاً، ورفض جبريل
الرجوب ترشيح مروان نائباً للرئيس، مع أنه حصل على أعلى الأصوات الفتحاوية .
مروان البرغوثي يقود الأن اضراب الحرية والكرامة، في جو
من العداء الاسرائيلي من طرف نتنياهو ووزراء حكومته وقادة المستوطنين وممثليهم في
البرلمان ولدى الحكومة من بينيت الى يسرائيل كاتس وليبرمان وأردان وغيرهم الذين
يشنون هجوماً مركزاً على مروان بالذات، لأنهم يرون فيه قائدا ميدانيا، ويخشونه كخليفة محتمل للقيادة الراهنة .
يخوض أبو القسام معركة واضحة لتوحيد حركة فتح، وتوحيد
الفصائل في اطار جبهوي، في مواجهة الاحتلال، ويخوض معركة صامتة ضد خيارات سلطتي
فتح وحماس في رام الله وغزة التي لا ترى فيه سوى منافس لأشخاصها وبرامجها وتقويضاً
لرهاناتها، لأنه يُمثل الأمل، وروح الثورة المتجددة، ويسعى عبر الاضراب الى تفجير
انتفاضة تتوسل وحدة الكل الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وضد التقاعس والترهل
والانقسام، ولهذا يجب الوقوف معه، ومع برنامجه، ومع رهاناته لأنها البديل الواقعي
للراهن السلبي المفكك، فهل ينجح وهو المقاتل ضد الثالوث : ضد الاحتلال، وضد
التنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب، وضد التهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب، وهو
يفعل ذلك ويعمل من أجل ذلك، لأنه يقود طريق الخلاص من الانقسام والشرذمة والتمزق،
وبدون انهاء هذه الأمراض السياسية لن يتوفر الحد الأدنى للمشروع الوطني الديمقراطي
الفلسطيني للوقوف في وجه مشروع الاحتلال الاستعماري المتفوق، ويهزمه وينتصر عليه .
لجان فلسطين في مجلسي النواب والأعيان، والأحزاب
الأردنية ومؤسسات المجتمع المدني، مطالبة للتحرك والتضامن لتقديم الفعل الواجب
والتأثير على ما يوازيها عربياً وعالمياً، لأن في ذلك راحة ضمير وموقفا أردنيا
صائبا وطنياً وقومياً وأممياً، لأن الفعل الفلسطيني على أرض فلسطين، وأن تبقى قضية
الشعب الفلسطيني بيده وداخل وطنه، لا خارجها، هو الذي يحمي الأردن من أطماع
وتطلعات المشروع الاستعماري التوسعي الاسرائيلي في اعادة رمي القضية الفلسطينية
وتداعياتها خارج فلسطين، وبالذات الى الأردن، لهذا يقف الأردن مع فلسطين من أجل
حماية الأردن أولاً ومن أجل استعادة الشعب الفلسطيني كامل حقوقه، هناك على أرض
وطنه الذي لا وطن له سواه .
h.faraneh@yahoo.com