محاربة التطرف والإرهاب يتطلب استراتيجية آنية ومتوسطة وبعيدة المدى وكل لها آلياتها وأدواتها بتنسيق وتعاون متكامل بين المؤسسات الحكومية والسياسية وحزبية ومؤسسات المجتمع المدني وسائر وسائل الإعلام بهدف تعبئة وحشد كافة القوى والجهود من أجل حماية المجتمع وأمنه واستقراره وعزل الفكر المتطرف والمتطرفين مهما كانت الخلفية الفكرية.
بالطبع لعلماء الدين الإسلامي والمسيحي دور رئيسي في نشر مقاصد الشريعة بتحقيق السلام والعيش المشترك بين ابناء الوطن تحت مظلة المواطنة وسيادة القانون.
وحيث تحاول قوى دولية بالصاق الإرهاب "الذي يضرب في عدد من الدول "بالمسلمين تارة وبالاسلام تارة أخرى متجاهلين عن قصد دراسة عوامل وأسباب التطرف والإرهاب اللذي يندرج على قمته الاحتلال والقمع والفساد والفقر وتكميم الأفواه وغياب الديمقراطية.
ما قادني للتوطئة بهذه المقدمة ما نشهده في وطننا منذ أشهر بفرض خطبةالجمعة الموحدة ليست بالفكرة وإنما بالنص الواجب التقيد بحرفيته من قبل خطباء المساجد وما تبعه من إدانة واستنكار لمكونات المجتمع الشعبية والسياسية وذلك للأسباب التالية :
اولا :تفتقر سلسلة الخطب ليوم الجمعة من المنهجية الاستراتيجية الفاعلة لمحاربة التطرف أو حتى نبذه.
ثانيا :ضعف الثقة بين الحكومة والشعب على مدار السنوات الأخيرة بسبب قراراتها وسياستها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية التي لم تساهم بتعزيز قوة الاردن ومنعته كما لم تساهم برفع مستوى معيشته ، هذا الانطباع السائد لدى قطاعات واسعة من المواطنين دفعه للشك بنوايا وأهداف الحكومة التي دفعتها لمثل هذه القرارات اللاديمقراطية
ثالثا :إن فرض خطبة موحدة تتناقض وفلسفة صلاة الجمعة التي توجب التصدي لقضايا المجتمع على كافة الأصعدة كما تشكل مصادرة لحق الخطيب باختيار موضوع الخطبة وفقا لحاجات المجتمع وانتهاك لحق المصلين باختيار الأفضل من بين الخطباء المستندة لقدرة ووعي الخطيب بطرح القضايا وتوعية المصلين وحشدهم وراء أمور تهم المجتمع وتعزز أمنه واستقراره.
رابعا :تصنف سياسة فرض خطبة رسمية حكومية موحدة في مربع تقييد لحق الإنسان بالكلام وبحقه باستقاء المعلومات من مصادر مختلفة بما في ذلك الشؤون الدينية.
خامسا :الخطبة الحكومية الموحدة ستدفع بشريحة واسعة من المصلين والمستنكفين عن أداء صلاة الجمعة وخاصة الشباب البحث عن بدائل لفهم أمور وشؤون الدين من مصادر أخرى قد تعزز لديهم التطرف والتعبير غير السلمي عما يكتسبوه من قناعات تهدف الحكومة لاجتثاثها.
سادسا :الخطبة المفروضة حكوميا تدفع نسبة عالية من المصلين لعدم الإنصات للخطيب وما مشاركتهم بصلاة الجمعه إلا لإسقاط الفرض.
لذا فالمطلوب من رئيس الوزراء الايعاز بإلغاء فرض خطبة موحدة لانتفاء تحقيق الهدف الرسمي من ناحية واحترام لحق المواطن بتلقي المعلومات ونشرها بكافة الوسائل السلمية واحتراما لالتزام الاردن بأحكام ومبادئ العهود والمواثيق الدولية التي صادق عليها واحتراما لحق التعبير المكفول بالدستور الأردني.
بخلاف ذلك فالبديل إلغاء دور خطباء المساجد وبث الخطبة الموحدة عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمكتوبة وبذلك يتحقق هدفين الأول توفير مالي بدل المكافآت الممنوحة للخطباء والثاني اذا كان هو المقصود تقليص وتجفيف عدد رواد المساجد.
وعندئذ تكون الحكومة قد قدمت خدمة للتطرف والإرهاب لا سمح الله إن بقيت تسمع صوتها فقط دون اعتبار لثورة الاتصالات التي ألغت الحدود والمسافات.