فشل حركة حماس ، ومعها كل فصائل الإخوان المسلمين، في أن تكون بديلاً عن منظمة التحرير الفلسطينية، واخفاق محاولاتها المساس بالشرعية التي اكتسبتها منظمة التحرير بفعل النضال أولاً، والتحالف الجبهوي العريض الذي تتشكل منه ثانياً ، نقول فشل حماس واخفاقها شكلا الأرضية السياسية لدفع هذه المنظمة نحو تبديل أولوياتها ، فكانت رسالة خالد مشعل إلى مؤتمر حركة فتح ورئيسها بصفته ووظائفه الوطنية يوم 29 /11 / 2016 ، ومشاركة ممثليها مع باقي الفصائل في اجتماع اللجنة التحضيرية في بيروت يوم 15 كانون ثاني 2017 ، برئاسة سليم الزعنون رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ، تمهيداً لعقد مجلس وطني توحيدي ، يدلل على وجود سياسة جديدة لدى قادة حماس ، يتوسلون من خلالها كسب الشرعية ، والشرعية لا تكون إلا عبر بوابات منظمة التحرير ، فلماذا مؤتمر الشتات الفلسطيني ، الذي يتعارض مع دور منظمة التحرير الممثل الشرعي الوحيد للفلسطينيين داخل وخارج فلسطين ، ومن قبل مؤتمر الشتات كان مؤتمر المهندسين ، وكلاهما في إسطنبول ، ألا يتعارض هذا مع سياسة حماس الجديدة ، بعد فشل سياستها القديمة منذ ولادتها ؟؟ .
لقد سبق وفشلت كل وسائل وأدوات حماس المدعومة من قبل فصائل حركة الإخوان المسلمين لتكون بديلاً عن منظمة التحرير ، فلماذا هذا المؤتمر وبهذا الحشد كاملاً بالضيافة ، وثلثاه بدعوات مغطاة ، والثلث المتبقي على نفقته الخاصة ، أليس ذلك تدميراً واستنزافاً للجهد وللجسم الفلسطيني في مرحلة تزداد فيها المؤتمرات التي تستهدف قضية الشعب الفلسطيني برمتها ، وفي وقت يحتاج فيه الشعب الفلسطيني للملمة صفوفه لمواجهة عدوه الاستعماري العنصري المتفوق ، ناهيك عن تراجع السياسات الأميركية نصف المعتدلة لصالح اليمين الاستعماري الإسرائيلي الأكثر تطرفاً ؟؟ .
ثمة برنامج وضعته حماس ، يجري تنفيذه ، مختلف في شكله وبأدواته، ولكنه يحمل نفس المضمون الأنقسامي التدميري الأنقلابي الذي بدأته حماس وسارت فيه ومعه وإليه، وهو الاستيلاء المطلق على مقدرات ومواقف وسياسات ومؤسسات الشعب الفلسطيني ، لا يختلف في مضمونه عن التناقض الصارخ الذي مارسته حماس حينما شاركت في الانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 تحت سقف أوسلو ، ومؤسسة أوسلو وفي ظلها، بعد أن قاطعت انتخاباتها عام 1996 ، وحققت الأغلبية في الانتخابات التي شرعها اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير وتل أبيب ، وشكلت حكومتها الحزبية الأنفرادية من جانب واحد ، تحت مظلة وسياسات أوسلو وقبلت بذلك ، وارتضت به بدون أن تعلن عن تغيير في توجهاتها ، واعتبرته خطوة يمكن من خلالها تنفيذ ما تستطيع تنفيذه ، طالما أن الاتفاق يحمل التدرج والمرحلية .
حماس مارست التناقض الظاهري الفاقع ، عبر انقلابها العسكري ضد الشرعية عام 2007 ، انسجاماً مع سياساتها منذ ولادتها الإخوانية كي تكون بديلاً عن منظمة التحرير ، ولما فشلت سعت عبر محاولات التسلل إلى مؤسسات منظمة التحرير للسيطرة عليها ، لأنها لا تملك الشرعية ، وشرعيتها لم تحصل عليها ولن تكون إلا عبر مؤسسات منظمة التحرير ، وهذا ما يُفسر ظاهرتين: الأولى أن قيادات مؤتمر الشتات هم من أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني أنيس القاسم وسلمان أبو ستة ومنير شفيق ، والثانية تصريحاتهم الدالة على التمسك بالدور التمثيلي لمنظمة التحرير ، والعمل من أجل تطويرها بعد حالة الجمود المصاحبة لقياداتها المترهلة ، وهذا لا يتعارض مع سياسات حركة حماس المستجدة ، بل خدمة لها وموظفة لصالحها ، لصالح برنامج حماس الذي يسير الأن على ثلاثة خطوط متوازية هي :
أولاً : تعزيز حضورها وقوتها ونفوذها على الأرض في قطاع غزة عبر وسيلتين الأولى عبر الاتفاق التركي الإسرائيلي الموقع في تموز 2015 ، وبالتفاهم مع الدور القطري المساند لبناء مؤسسات على الأرض كبنى تحتية لمشروع دولة غزة ، والثاني عبر ردع خلايا القاعدة وداعش ثمناً للاقتراب من السياسة المصرية وكسب ودها ، لأن الأولوية لدى القاهرة هو أمن سيناء ، خاصرة مصر الضعيفة .
ثانياً : عبر العمل للاقتراب من مؤسسات منظمة التحرير والتسلل إلى مساماتها والانخراط في صفوفها، لتكون جاهزة تماماً، وكي تحظى بمكانة لا تقل قدرة عن حركة فتح إن لم تمتلك التفوق عليها ، فهي تملك الأغلبية لدى المجلس التشريعي الفلسطيني ، وتسعى لتعزيز نفوذها في مجتمعات المهاجر الفلسطينية لتكون مؤهلة لدور قيادي تسعى له ، في ظل غياب مبادرات حركة فتح وتلعثمها والانقسام الذي يشل حركتها وضيق أفق قيادتها ، سواء في تعاملها مع قواعدها ، أو في تعاملها مع الفصائل الأخرى ، أو في عدم قدرتها على كسب شخصيات مستقلة نافذة .
ثالثاً : العمل على التكيف مع مشاريع التسوية وأبرزها قيام دولة فلسطينية في غزة ، يُتبع لها مواطني الضفة الفلسطينية .
بثلاث أدوات ، وثلاثة خطوط متوازية ، تصب في مجرى واحد : السيطرة على منظمة التحرير وقيادتها ومؤسساتها كما عملت وفعلت وحققت في قطاع غزة .
مؤتمر إسطنبول، مؤتمر فلسطينيي الشتات يومي 25 و 26 شباط 2007 هو الانقلاب الثاني وإن كان مدنياً سلمياً شعبياً في إسطنبول ، نفذته حركة حماس بدعم وإسناد وتغطية من قبل حركة الإخوان المسلمين العابرة للحدود ، بعد انقلابها الأول الذي نفذته في حزيران 2007 ، ومن خلاله استفردت بقطاع غزة ، وأدارته وحيدة ولا تزال ، ومثلما أن انقلاب غزة والسيطرة المنفردة على القطاع لم تحقق لها الشرعية بعد ، فها هو مؤتمر إسطنبول سيسير بالإتجاه نفسه ، وكلاهما مكمل لبعضهما البعض ، نحو استكمال خطوات الشرعية ، عبر التحالف الثلاثي الإخواني التركي القطري ، وصولاً نحو التفاهم مع العدو الإسرائيلي الذي سبق وأن تم التفاهم معه في اتفاق التهدئة الأمنية الجاري تنفيذه والالتزام به ، وتم التوصل إليه في عهد الرئيس محمد مرسي يوم 21/11/2012 ، وتم تجديده في عهد الرئيس السيسي يوم 26/8/2014 ، وها هي تُستكمل خطواته في الاتفاق التركي الإسرائيلي الموقع في روما في تموز 2015 ، ومؤتمر المهندسين ومؤتمر الشتات ، مقابل الخطوات والإجراءات الجارية على الأرض في قطاع غزة عبر ميناء أسدود من مناطق 48 ، على الساحل الفلسطيني .