خلال العام الماضي اتخذت الحكومة مجموعة من القرارات لزيادة الضرائب والرسوم على سلع يصعب الاحتجاج عليها، مثل بعض المشروبات والسجائر ، وحتى رسوم نقل ملكية السيارات لأنها تتم بتوفر النقد بين البائع والشاري فلا يظهر لها أثر كبير ، وكذلك الضرائب على الملابس في ظل وجود خيارات كثيرة في نوعيتها وأسعارها .
القرارات الجديدة أثارت قدرا من الاحتجاج لأنها تتعلق بالمحروقات والاتصالات أي عصبي الحركة والتواصل على المستويين الفردي والجماعي ، ودون الدخول في التفاصيل فإن الحكومة مضطرة للبحث عن مصادر أخرى لتوفير إيرادات كافية لسد عجز الموازنة ، ومن الطبيعي أن تراعي قدرا من التوازن لتجنب المساس بشريحة الفقراء ومحدودي الدخل ممن ما زلنا نطلق عليه مصطلح الطبقة الوسطى !
في المقابل اتخذت الحكومة إجراءات لتخفيض المصاريف ، وضبط الإنفاق وترشيده ، الأمر الذي يستحق التقدير لأنه يعطي مؤشرا على العدالة في اتخاذ القرار ، ويبعث برسالة إلى الجميع بضرورة إعادة النظر في المصروفات الزائدة ، أو الهدر والتسيب فضلا عن المساءلة والمراجعة التي يبدو أن دولة الدكتور هاني الملقي يقود من أجلها حملة جادة تسانده فيها هيئة النزاهة ومكافحة الفساد .
جميع الحكومات تتعرض للانتقاد عندما تلجأ إلى رفع الضرائب والرسوم وأسعار السلع ، ولا أظن أن أيا منها تكون سعيدة بتلك القرارات التي تتخذ على مضض ، ولكن الاختبار الحقيقي يكمن دائما في مدى الفائدة أو الضرر الذي يترتب على تلك القرارات ودائما هناك سؤالان لا بد من الإجابة عليهما، أولا : هل ستتحقق الغاية من الإجراءات المتخذة أي سداد العجز أو معظمه ؟ وثانيا : ما هي التأثيرات الجانبية لتلك القرارات ، تماما كما هو الشأن بالنسبة للأدوية التي قد تعالج مرضا ولكنها قد تتسبب بأضرار أخرى ؟
وحتى أكون واضحا فأنا أتفهم الوضع الذي يواجهه رئيس الوزراء وفريقه الوزاري ، ومن باب الإنصاف يمكن القول أنه لا يملك في هذه اللحظة خيارات أخرى ، ومن المنطقي أنه حريص على التقليل من الآثار السلبية قدر المستطاع ، ولا يغيب عن ذهنه تحاشي حدوث انكماش اقتصادي ، فعنده من الخبرة والمعرفة والعلم ما يكفي لكي لا يقع في المحذور ، إذا لم تحقق تلك الإجراءات غايتها المنشودة في سد العجز ، أو إذا أدت إلى ضرر يفوق المنفعة ، سواء على الوضع الاجتماعي المأزوم بطبيعته ، أو على الفرص المتاحة لتنشيط عجلة الاقتصاد !
والسؤال الكبير الذي يجب أن نسأله جميعا ، أين دور العناصر الأخرى التي يتشكل منها الوضع الاقتصادي والاجتماعي ، والسؤال ليس موجها للقطاع الخاص وحده ، بل لجميع القطاعات ، ولا أقول الوزارات ، فقطاع السياحة مثلا ليس حكرا على وزارة السياحة ، إنه قطاع متعدد الأطراف ، ووظيفة الوزارة هي العمل على جذب السائحين بالملايين ، ووظيفة القطاع أن يحقق غايات وأهداف السياحة على تنوعها في بلدنا ، وبالتالي ضمان مصدر حيوي من مصادر الدخل .
والأمثلة كثيرة على قطاعات أخرى منها التعليم الجامعي ، عن طريق جذب الطلبة العرب ، وتطوير الصناعة والزراعة ، واستغلال الثروات الطبيعية ، تلك ليست عناوين فارغة ، أو طموحات بعيدة المنال ، وإنما كلها إمكانات موجودة تحتاج إلى إستراتيجية واقعية ، وتفكير إبداعي .
كثيرة هي الأيادي الممدودة لكي تضع يدها بيد رئيس الحكومة كي تكون عملية مواجهة التحديات عملية وطنية متكاملة ، متحدة الأطراف ، وليس مهمة حكومية لن تقدر عليها منفردة مهما حاولت !