أغلب الناس يرون أن الربيع هو أجمل فصول السنة، فالطبيعة الغناء تنطق بالفرح والجمال، وتصدح الطيور بأعذب الألحان، وأمريكا استعارت الربيع وألبسته ثوباً سياسياً فأطلقت على ما جرى في بعض البلدان العربية مصطلح الربيع العربي، وحين يكون الإنسان في ربيع العمر يشعر أن الدنيا تضحك له، يعيش أكثر فترات العمر أناقة وحيوية وإقبالاً على الحياة، يكون مرهف الذوق، عاطفياً، لا يطيق أن تتبعثر تسريحته الجميلة إذا هب النسيم.
وحين تبدأ سنوات العمر بالرحيل، ويدخل في خريف العمر يمني النفس وهو يردد الشباب هو شباب الروح، وطالما أن القلب يشع بالعاطفة والمشاعر الحساسة تعبرعن ذاتها في أرقى الصور والحالات، فإن الربيع ما زال ربيعاً، وأوراق الخريف الصفراء ليست قريبة من حياته، لذا فإن كتابة الشعر ممكنة، والغناء والرقص كالأطفال هما ديدن الحياة ولهوها وجمالها الساحر.
هذه نوعية من الناس، وهناك نوعية أخرى يستولي عليها السكون المميت، واليأس، وتستسلم لقدرها، وتعتقد أن ناقوس الغروب ينعي لها كل 24 ساعة يوماً راحلاً من حياتها، وتبدأ تتعثر في مشيتها، وتتوكأ على عصا وهي قادرة على أن تدخل في سباق المارثون.
الشخصية الأولى التي يتوهج في داخلها الأمل، وتغمض عيونها حين تنام على حلم جميل يراودها، لتعانقه في الصباح هي شخصية طبيعية واضحة المعالم واثقة من نفسها وقدراتها على العطاء، أما الشخصية الثانية التي تسير في الحدائق المزهرة التي تتراقص فيها العصافير ونوافير الماء، وتعتقد أنها ترتطم بأرض صحراوية قاحلة فإنها شخصية معقدة ومريضة نفسياً.
ترى هل الحياة سهلة بسيطة رقيقة إلى هذا الحد، كي يتمسك ألبعض بالشخصية الطبيعية الطفولية، هل هو نوع من الهروب للأمام، ألا يرى الإنسان أبعد من أرنبة أنفه، أم يتأمل الحياة في العمق، للوصول إلى نتيجة مؤداها أن فلذات الأكباد هم الشباب، والربيع الأخضر، ونحن الجسر الذي عبروا عليه بهمة واقتدار، بل نحن خارج التاريخ، لأننا مملوؤن بالهزائم والانكسارات، وأضعنا الأرض والهوية؟!.....