في النظم الديمقراطية تتمتع كل سلطة من السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية بصلاحيات محددة وواضحة، تنظم العلاقات البينية فيما بينها وتنظم العلاقات مع الشعب، ودون أن تتغول أو تهيمن سلطة على أخرى، أو تتدخل في شؤونها، ولكن هذا لا يعني الضعف، بل القوة، قوة الشرعية وقوة القانون.
ونحن في الأردن ننتظر نتائج اللجنة الملكية لتعديل الدستور، والتي يعول عليها الكثير في حال توفر الإرادة السياسية الجادة للسير نحو تعزيز الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان وما يتطلبه ذلك من فصل حقيقي بين السلطات وكفالة الحقوق الأساسية للمواطنين التي كفلتها المواثيق الدولية، وترسيخ مبدأ المساءلة والمحاسبة.
ومن المواد الدستورية التي نحن بأمس الحاجة إلى تعديلها، إضافة إلى مواد كثيرة تضمنتها المذكرة المقدمة إلى لجنة تعديل الدستور من إحدى عشرة مؤسسة حقوقية، وغيرها من المواد التي يشكل بقاؤها تعارضاً مع مبادئ الحرية والديمقراطية، هي المادة 45 من الدستور.
تنص المادة 45 فقرة 1 على «يتولى مجلس الوزراء مسؤولية إدارة جميع شؤون الدولة الداخلية والخارجية، باستثناء ما قد عهد به أو يعهد به من تلك الشؤون بموجب هذا الدستور أو أي تشريع آخر إلى أي شخص أو هيئة أخرى».
إن المطلوب في هذه الفقرة هو أن تحافظ الحكومة على استقلال إدارتها لشؤون الدولة، وأن لا تسمح لأي جهاز بالتدخل في قراراتها أو توجيهاتها لاتخاذ قرارات غير مقتنعة بها أو تلحق ضرراً سياسياً أو معنوياً بالوطن أو بالمواطنين، مهما كانت الذرائع والمبررات.
وتنص الفقرة 2 من المادة 45 على «تعين صلاحيات رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء بأنظمة يضعها مجلس الوزراء ويصدق عليها الملك»، فهل يعقل سياسياً تفويض تحديد الصلاحيات المناطة برئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء لأنفسهم؟ أليس يعني هذا أنهم سيصادقون على تفويض أنفسهم بصلاحيات مطلقة ودون حدود، ما يمنحهم حق الاعتداء على صلاحيات السلطات الأخرى، وعندئذ سيتم تبرير ذلك بأن صلاحياتنا هي وفق الدستور.
ثم لماذا يتم التفريق بين صلاحيات كل من رئيس الوزراء والوزراء ومجلس الوزراء؟ أليست المسؤولية هي تضامنية؟ وهل يعني أنه فيما لو تضاربت صلاحية الوزير المناطة به لإدارة شؤون وزارته، مع صلاحية رئيس الوزراء أو مع صلاحيات مجلس الوزراء؛ فما هي المرجعية عندئذ؟
لذلك؛ فالمطلوب إلغاء الفقرة 2، ولا بد من أن يصادق الشعب من خلال الممثلين الحقيقيين المنتخبين وفق قانون انتخابي يكفل إجراء انتخابات نزيهة ودورية، وتنتج مجلساً نيابياً حقيقياً ممثلاً لمكونات المجتمع السياسية، على صلاحيات السلطة التنفيذية وحتى تضمن تحديد الصلاحيات واستقلالية حقيقية وفصل حقيقي بين السلطات.
فعصر تجميع السلطات والصلاحيات المطلقة قد ولّى، فوعي الشعب يتصاعد وإرادته بحكم يمثله باختياره عبر الانتخابات الحرة؛ خيار لا تراجع عنه، وإن حقه بمحاسبة من لا ينجز أو يستغل نفوذه لمآرب شخصية أو شللية أو غيرها لا يمكن التساهل به.
والإنجاز الشعبي يبدأ بالخطوة الأولى..
المادة 45 من الدستور
أخبار البلد -