كتب الصحفي محمد منصور الكفاوين -
تمكّن،رئيس الوزراء هاني الملقي من إطفاء فتيل الانفجار في حُكومته في سكرات الموت الأخيرة من عمر الحكومة، بعد أن نجح،في إجراء تعديل وزاريّ،هو الثاني في عُمر حكومته،إعتبر خطوةً موفقة للأمام ،بعد أن أبعد ما أطلق عليهم وُزراء "الأزمة".
وإمتدّ عُمر الحكومة نسبياً،وقفز الرئيس مرة أخرى حيث برّ الأمان بعد أن خرج وحكومته،من عُنق الزجاجة بإقرار الموازنة،التي شكلت عليه سخطاً شعبياً آخراً بوتيرة أقوى،من السخط الذي شهده إبان أحداث الكرك و ما رافقها من إخفاق أمني أعزي لوزير داخليته المُطاح وله كرئيس حكومة، وما تبعها من مُطالبات الحكومة برفع أسعار سلع وإقرار مزيد من الضرائب ،الأمر الذي شكّل للأول،حالةً من القلق وعدم الإرتياح..
الأربعة الكبار .. وبجردة حساب للتعديل الوزاري الأخير،يمكن القول بأن الرئيس الملقي تخلص مرة واحدة من نوابه "الأربعة الكِبار"،الذين تحولوا بإعتقاده إلى حمل ثقيل وعبء عليه، بدءاً من وزير التربية د.محمد الذنيبات، مروراً بنائبه الوزير جواد العناني، وإنتهاءاً بطابع البريد الحكومي وزير الداخليّة ناصر جودة العابر للحكومات،ويضاف إليهم العبء الأكبر الوزير المخلوع ،سلامة حمّاد، وربما الأخير بخلافاته الكبيرة مع النواب،وبخلفيته الأمنية البائسة،وبسياسة "كسر العظم" التي إنتهجها،حمل وسـُيحمّل مع مدير الأمن العام السابق الإخفاق الأمني خلال عملية الكرك الإرهابية..
الوزاراء الجُدد الذين سُلموا حقائب وزارية،عوّل عليهم الكثير الكثير،وعلى الرغم من أن وزاراتهم "تحتضر" و مُتعطشة لإعادة بناء جذرية تقتضي بإجتثاث كل الملوثات التي ألصقها سابقيهم بوزاراتهم ،الأ أنها ما زالت تراوح مكانها ،فالمجلس الوزاريّالمُعدّل الذيّ عوّل عليه ما عوّل،لم يفرغ بعقد أي إجتماع،للمجلس الوزاريّ،منذ صدور الإرادة الملكية السامية بقبول إجراء تعديل وزاري على الحكومة،الإ إجتماع واحد، الأحد المنقضي ،إجتماعاً بروتوكوليا أكثر من كونه عملياً أو يأتي بأي إضافة! تحت ذريعة الإنشغال الحكوميّ؛ بمناقشات الموازنة والثقة عليها ،بحضور واضح تحت قبّة البرلمان و بغياب واضح عن الدور الحكوميّ المُناط بهم،فالتغيير المنتظر والمرتقب على الوزرات المحتضرة لم يحدث ولو جزءاً يسيراً منه على الرغم من دخول الحكومة بإسبوعها الثاني ،الأ أنها "مكانك قف"!!
التعديل الجديد نتاج،توافقٍ بين رئيس الوزراء والقصر والأجهزة الأمنية،وبصمة الرجل(أي الملقي) حاضرة أكثر هذه المرة من التشكيل الماضي،ولا يمكن أن يتذرع بعد الآن بأن هناك وزراء فرضوا عليه أو نزلوا كالبراشوت على حكومته ..
أول من يستحق أن نتطرق له في التعديل الوزاري،هو دخول الدكتور ممدوح العبادي،وزيرالدولة لشؤون رئاسة الوزراء ؛الوزير الاقدم في الحكومة الجديدة،والذي عوّل عليه الكثير الكثير ،لخبرته و حنكته السياسية، والذي كان سبباً رئيساً بالإطاحة بوزير الشباب الأسبق،رامي الوريكات، من الحكومة السابقة بذريعة توزير أحد أفراد عائلته (والد زوجته د.ممدوح العبادي)،على الرغم من الجهد الذي قام به الوريكات للنهوض بالقطاع،إلأ أن ما حيك في الخفاء في المطبخ الحكوميّ أطاح بالأول لتوزير الثاني المرضي عنه و المتمتع برضا شعبيّ وباع سياسي ،والذي قد يُخفف الحمل عن الرئيس ويكون إبرة تخدير للسخط الشعبي على الحكومة ، علاوة على أنه سيلعب دوراً رئيسياً في نزع فتيل الأزمات بين الحكومة والنواب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بما يملكه من حنكة وقدرة على المناورة، وسيعطي للحكومة وجهاً شعبياً،العبادي غاب مدة من الزمن عن المشهد،وهو يعود اليوم بمكانة النائب الأول لرئيس الحكومة ومطلوب منه أن يقود المطبخ السياسي، فهو قادر على التعامل مع الجميع، فهو مقبول من الليبراليين ومن المحافظين، ويستطيع التعامل مع البيروقراطية في الدولة ومع أجهزتها الأمنية بتوازن وبقدر كبير من الحكمة.
الأ أن المؤشرات الأولى من عُمره الوزاري الجديد،تشير أنه لم يدخل مكتبه في الرئاسة الأ لدقائق معدودة ،وشوهد السبت المنصرم،يُداوم في عيادته حيث إستقبل مجموعة من الاصدقاء .. بغياب عن المشهد الحكومي و بحضور شكلي تحت القبّة! ما يشير أن بعض، الوزراء الجُدد لم يتعلموا من درس التعديل الأخير،الذي أطاح بسابقيهم لتقصير فاحش بأدائهم بحق وزاراتهم !
ولا يقل أهمية عن اختيار العبادي، تقلد أيمن حسين الصفدي لمهام وزارة الخارجية بعد ما يقارب العقد من الزمان برئاسة ناصر جودة، ومن هنا كان أول تحد دخوله وزارة تعودت على سياسة وشخصية وزير تسع سنوات العابر للحكومات ..
الصفدي،والذي عوّل عليه هو الآخر،نتيجة المناصب التي شغلها كوزير دولة ونائب رئيس وزارء بحكومة سمير الرفاعيّ،ومستشاراً سابقاً للقصر الملكيّ ،لشؤون الإعلام والإتصال ،وبسبب قدرته عن التعبير عن نفسه وعن مواقف الدولة الأردنية،ومعرفته وفهمه بشكل واضح رؤية الملك،الأ أن المطبخ الحكومي لم يطهو طبخته جيداً هذه المرة؛فبالرغم من السنوات العجاف التي إستلم فيها ناصر جودة حقيبة وزارة الخارجيّة،إلأ أن جودة أثبت تمكنه منها شاء من شاء و أبى من أبى ،بالرغم من صعوبة حملها ،فقد كان الإبقاء على الأخير خير من الإطاحة به؛فخبرته في هذه الوزارة لا ينكرها الأ جاحد ،سواء إتفقنا أم إختلافنا مع نهجه أو طريقه توزيره !
لم ينشغل العبادي وحده عن سدة مسؤوليته،بل غاب معه الصفدي،عن المشهد تماماً تحت ذريعة زيارة خاصة و جولاته ولقاءاته خارج البلاد منعته من أيضاً التواجد في الرئاسة والنواب، والذي لم يدخل مكتبه الأ لتلقي التهاني ! الصفدي الذي عمل أيضاً بمجال الإعلام وختم مشواره الإعلامي بيومية الغد ككاتب فيها ،بمقاله كُل (يوم أحد )،والذي عُرف عنه نقده اللآذع للحكومة أحياناً ومديحها إن تطلب الأمر،الأ أن مقالته الأخيرة بعد أن أعدها لم ترى النور بعد أن بُلّغ أنه سيكون ضمن التشكيلة الوزارية الجديدة ،فجفت أقلامه عندها وطويت مقالته في أدراج مكتبه بعد أن سائل حبر غضبه على القرارات الحكوميّة عليها،الأ أن توزيره لم يتوافق مع نشرها وقتها ..ولا نعلم متى ستخرج بعد أن يُطاح به، إن كُتب لها ذلك !
التعديل الوزاري،بالرغم من هشاشته،الأ أنه مختلف نوعاً ما ،فحصة جودة الوزارية لم ينلها هذه المرة ،وصلة قرابته (النسب) للقصر لم تشفع له بأن يكون وزيراً هذه المرّة،في إشارة واضحة أن التعديل فضّل وجوهاً جديدة ،سعياً للتغيرالغير مقترن بأشخاص أو تنفعات!
كلنا نعي، أن مهمة الصفدي ليست سهلة وتتقاطع أيضاً مع مهمة وزير التخطيط والتعاون الدولي في تعظيم وزيادة المساعدات الاقتصادية سواء مع أميركا والأوروبيين ودول الخليج الذين لم يجددوا حتى الآن المنحة الخليجية،وقد تأزم مطبخ وزارته بعد صرخة إمام القصر السابق هليّل ،التي طالب فيها من دول الخليج دعماً بإسلوب لم يُرحب به غير الأسلوب الدبلوماسي المعتاد بين الأردن وحلفاءها،الأمر الذي لم يرُق للسعوديّة حينها،فأطيح به هو الآخر، ما جعل المهمة شاقة على الصفدي لإبقاء حبال الود التي أشعل بها هليّل ،بخطبته السياسية مثيرة الجدل !!
أما القشة التي قصمت ظهر البعير في الحكومة السابقة والتي كانت السبب الأكبر والمُلّح بضرورة التعديل؛وزير الداخلية الأسبق سلامة حمّاد،وما رافق وجوده من إخفاق أمني تجلى بوضوح بأحداث الكرك ،والتي حُمّل هو ومدير جهاز الأمن العام الأسبق اللواء عاطف السعودي السبب الأكبر،أما إطاحتهم بالجملة،قادت مما لا مجال للشك فيه بأمرين ،الأول بأن ،الملك عبد الله الثاني يُحمل جهاز الأمن العام ومديره العبء الأكبر في ما حدث بأحداث الكرك التي راح ضحيتها عدد من قوات الأجهزة الأمنية، كما أن المغزى الثاني، أن كل الاستعراضات التي قام بها السعودي خلال فترة توليه سدّه الجهاز لم تنفعه، والتي تمثلت بدمج مؤسسات أخرها الإقامة والحدود..ما إستدعى ضرورة إجراء التعديل ..خاصة في ظل سخط شعبي و رسمي خيّم على الحكومة بسبب حمّاد ،ناهيك عن عدم انسجامه مع الرئيس في غالب الوقت،والذي شكّل حاله من القلق للرئيس خاصة خلال جلسات الثقة لمجلس النواب بسبب العداوه بينه و بين السوّاد الأعظم من النواب ! والأمر الذي أقلق جانب الرئيس بأن أمر الثقة غير أكيد بعد أن كان محسوماً ،وهو ما لم يتماشى مع مصالح الرئيس حينها ..
شتان بين هذا وذاك..،فبعد الإطاحة بحمّاد،وتنصيب الباشا غالب الزعبي وزيراً للداخلية،شكل الأمر للرئيس حالة من الإرتياح بعد ما سببه حمّاد للرئيس،فما يميز الزعبي، أنه تصالحي، لا خلافات عنده مع النواب أو أصحاب القرار، وفي ذات الوقت لديه خلفية أمنية ومعرفة بالعمل العام نائباً ووزيراً سابقاً، وإن كان أقرب للمحافظين فإنه منفتح على آراء الآخرين، ولا يهوى سياسة "كسر العظم" التي إنتهجها الوزير المخلوع حمّاد،ولا يتعنت برأيه، وهذا سيسهل علاقته بالأطراف التي تدير الملف الأمني في الأردن.
على خطى من قبله يسير ..وزيرالدولة للشؤون القانونية بشر هاني الخصاونة،والذي له باعٌ ممتد في المعترك السياسيّ،ومشهود له بالعمل ،الأ أن إنشغاله تحت ذريعة زيارة عمل خاصة ،حالت بينه و بين إمكانيته من أداء القسم برفقه زملائه أمام الملك،ما جعله يؤديه فردياً الخميس المنصرم ،وبذات الصدد حالت زياراته من التواجد في الرئاسة أو النواب أو حتى في القصر !
ولا يقل أهميّةً،عن سابقيه ،وزير التربية والتعليم الدكتورعمر أحمد منيف الرزاز ،على الرغم من السيرة الذاتية الحافلة بالإنجاز و مسيرة عطاءٍ طالت،الأ أنه هو الآخر لم يكن إختياره موفقاً (كوزيراً للتربية و التعليم) ؛بسبب خبرته الإقتصادية البحتة البعيدة كُل البعد عن التربية،فلو وضع بسدة وزارة مالية لكان الحل الأنجع و الأقوم، لكن لا أحد يُنكر أن دخوله للتشكيلة الوزارية الجديدة إضافة نوعيّة على الحكومة،وبالرغم من أن خبرته ذات أبعاد إقتصادية الا أن الوزير عادةً يتولى الامور الادارية و إتخاذ القرارات ،فيما يتولى الأمناء العامين للوزارة بقية الأمر، بغض النظرعن ماهيّة الوزارة،كخالد طوقان من قبله الذي يحمل درجة الدكتوراة في علم الذرة الأ أنه هو الآخر كان بوصلة للتغير حينها،وتجربته كانت مفيدة،و هذا ما يُعوّل على الرزاز ،خاصة بكثافة المناصب الإدارية التي إستلمها الأخير،والذي حظي بترحيب لافت هو الآخر، وهي رسالة واضحة بضرورة المضي بإصلاحات جذرية بهذه الوزارة الأساسية والكبيرة.
بكل صدقٍ،مهمة الرزاز هي الأصعب،وهو في وضع لا يحسد عليه، فتحقيق الأثر بالتربية والتعليم يحتاج إلى عقود وليس سنوات، وإن كان الوزير السابق الذنيبات قد واجه عاصفة لإعادة الهيبة لمكانة الوزارة التي تعرضت للتنمر ومواجهة المافيات وأصحاب المصالح، فماذا سيكون بانتظار الرزاز المطالب بتغيير "منظومة التعليم" والاستغناء عن طرق التلقين وبناء عقل نقدي وبحثي عند الطلبة؟
لكن لا يغيب عن البال أن قرارات الذنيبات الأخيرة،التي لم يحبذها الجميع،الأ أنها أعادت للتعليم هيبة و ألبسته عباءه وقارٍ كان قد إفتقدها التعليم منذ أعوام مضت ،فقد خسرت الوزراة هرماً تربوياً و أيقونة في سماء وزراء التربية،الأ الرزاز الذي أخذ على عاتقه إكمال مسيرة الذنيبات بالمضي نحو إصلاحات جوهرية ستقوده لبر الأمان،خاصة بعد زيارة الذنيبات للرزاز في مكتبه بعد تسلمه الحقيبة،وتقديم له بعض النصائح التي كانت بجعبته،وهذه الخطوة تسجّل للذنيبات،التي لطالما إفتقدناها،بأن يكمل الوزير المشوار الذي بدأ به من قبله لا أن يستحدث خططاً و برامج جديدة و يهدم كل الرؤى السابقة،ويضع فريقه في دوامة !
غاية القول والمقصد، أن التعديل الوزاري الجديد أعطى لحكومة الملقي عُمرا جديداً وقوة وربما تكون فرصته الأخيرة لإثبات رؤية مختلفة، في حين وسمها آخرون بـ"الفرصة الأخيرة" ،فهل سيستطيع الملقي و فريقه بعد أن أطاح بوزراء و عيّن وزراءاً بأن يقود السفينة الحكوميّة نحو بر الأمان و الرضى الشعبي ؟
سياسيون،وسموا بعض الوزراء الجُدد بـ"التغريد خارج السرب" والإنشغال بتلقي تهانيهم و زياراتهم الخاصة دون الخوض في غمار الوزارة التي تتطلب الكثير ،مشيرين أن بعض الوزراء لا يعرفون بعضهم البعض الأ شكلاً ،على خلاف وزراء حكومة الملقي السابقين الذي كانوا على مقربة فعلية من بعضهم ،التي لم تخلو من بعض المكامن و المصائد و التي تحدث عنها الملقي في الجلسة السرية أبان التعديل،حيث نعت وزراءه السابقين بـ"ذمه في غيابه"
الكُـرة في ملعـب المُلقي و فريقه الوزاريّ ،فبأي إتجـاه سيقذفـونها ؟