فعلى مرّ العقود ، لم يعْتَبِر المكوّن البشري الأردني من أخطائه ، وكان كلما تعلم شيئا ليحصّن به نفسه ضد سهام الساسة السّامة ، وسحر المسئولين ، وشعوذة الفناجين، سرعان ما يخلعه ، وما بين غمضة عين وانتباهتها يهجر كل ما تبنّاه ورعاه وليخسره دون مقابل و حتى بلا أي مردود قد يحفظ ماء وجهه، او يوقفه عند نقطة مرجع تجنّبه العودة إلى الصفر من جديد ..وهذا - وفي ابسط تأويل له- يشير للنّشاط العشوائي القوي الذي يظهره "فيروس" الفزعة المغروس في أدمغة الكثيرين كلما اقتربوا من معرفة الحقيقة وباتوا على بعد خطوات معدودة من تجاوز مشوار طويل من المعاناة والتحدي ، وليعطب هذا الدخيل كل خلايا الفكر الايجابي البنّاء وليحدث خللاً في عمل حجرات العقل القلبية الاربع ،و شرخاً في اللحمة الوطنية بتصريح رسمي رفيع المستوى يدعو ويناشد ذات المجتمع الى التلاحم الوطني...
لصوص الفزعة أو ساسة الفزعة ، لا ينظرون الى الوراء ، ولديهم ضوء أخضر دائم ليمارسوا العابهم الإعلامية السياسية ضمن هذا المسار القديم الجديد وليقلبوا الطاولة على الجميع عندما تشتد عليهم الخطوب وتغلق أمامهم الدروب ، فمفاتيح حديثهم الثلاثة هي الحلول الثابتة والخطط الرئيسة والبديلة وجميعها " ماستر " مفتاح الدّين ومفتاح الهويّة ومفتاح الامن والامان وأي من هذه المفاتيح الثلاثة يتيح لهؤلاء اللصوص الولوج والتحكم في حركة ونشاط هذا الفيروس وتوجيهه وفقاً للأوامر العليا و "السفلى " ..... وبمنتهى الإخلاص والبراءة والصبر يحمل مواطننا الغرّ الإقفال الثلاثة حول عنقه...مواطن عالق بين تلك المصطلحات مع سبق الإصرار والترصد ....مواطن يستحق وساما أو جرسا "رعويا "من الدرجة الأميرية...
ولكي نقرّب الفهم فلنتخيل معاً غضباً شعبيا عارما ينطلق متحديا وثائرا بوجه فشل رسمي متكرر في تحقيق نمو اقتصادي ، أو إصلاح سياسي و تشريعي ، أو عدالة اجتماعية ، او قرارٍ يمس قوت المواطن او تعليم ابنائه ، فينتهي ويتلاشى بمجرد ظهور اي من المفاتيح الثلاثة فمن خشخشتها يتهيأ ومن قلقلتها ينفّذ ، وفجأة يتحول الموضوع عند صاحب الأقفال إلى انتماء أوخيانة ، إسلام أو كفر ، الى فيصلي ووحدات ، بل أنّ الأمر أعقد من ذلك فتتعدّى مسألة إحباط هذا الغضب ليُعزى اغلب الفشل الرسمي الى تخلف الشعب عن فهم السياسة وتدني مستواه العصري المواكب والفكري المواظب ،وليُتّهم بإعاقة مسيرة الإصلاح وليدفع من دمه وجيبه الثمن الباهظ ...في كل مرة تُعرض المسرحية بمشاهدها الثلاثة ، ويكبر الفقر ويتسع ويستشري الفساد ويمتد ، وليغادر المواطن من أضيق الابواب ، خالي الوفاض ، مهزوما مكسور الوجدان ...
ربما انّ البعض ليس بالمستوى الذي يؤهله ليواجه وليتحدّى، وأنّ الفزعة هي أصل المرضوالتي تجرّنا بقوة سحب عظيمة الى الوراء وهي أشدّ واكبر من تلك التي من المفروض أنْ تأخذنا أماماً مع المصلحة العامة ، ولكن هي واحدة من ثلاثة ، فالأولوية في خروجنا من كل هذا تذهب للتخلص من الفزعة من جذورها ، من هذا الفيروس الفتّاك ، أو بتكسر الأقفال إنْ أعسر ذلك ، أو من اللصوص أنفسهم ان توفرت عدّة ...ولا يضرّ أن تكون المفاتيح فيما بعد بأيدٍ قوية أمينة ان كان ولا بد من حمل شيء حول الأعناق...
رفقاً بالقوارير يا سادة ...
shnaikatt@yahoo.com